كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 3)

النية من أركان الصلاة، وأركانها لا تنفصل، ولا تتقدم ولا تتأخر؛ وبذلك يحصل في المسألة أربعة أوجه: أضعفها بالاتفاق الأول، ويليه في الضعف ما صار إليه القفال، والأخيران متعادلان؛ لأن الشيخ أباً علي في طائفة رجح اشتراط التقدم، والعراقيون في طائفة رجحوا وجه التخيير.
ونظير الوجهين ما ستعرفه في صفة الحج في محاذاة الحجر: فقوم يشترطون أن يتقدم الشق الذي يجب به المحاذاة على أول جزء من الحجر حتى يمر كل جزء منه على جميع الحجر.
وقوم يكتفون بأن يقع جملة الشق في مقابلة جملة الحجر، وهو الموافق لقول العراقيين.
ثم ما ذكره العراقيون هنا من التخيير يرجع حاصله إلى أن الواجب اقتران النية بأول جزء من التكبير، واستصحابها ذكراً إلى آخره، وإنما قلنا ذلك؛ لأنه إذا اقتصر عليه أجزأه، وإذا قدم النية على التكبير استصحبها ذكراً إلى آخره، فالمقارنة ثابتة، وهي المعتد بها دون ما قبل التبكير؛ بدليل أنه لا يضر تركه، لكن على هذا شيء سنذكره وجوابه.
[ثم] على هذا ينبغي أن يحمل ما ذكره الشيخ من المقارنة، وإن كان ظاهره يقتضي الانبساط كما ذكرناه عن المتقدمين من المراوزة؛ إذ هو الحقيقة، لكن الحقيقة قد يعدل عنها؛ [للقرينة، ويتعين العدول عنها] إلى المجاز عند عدم إمكان العمل، وما نحن يه كذلك؛ لما أسلفناه عن القفال من أن النية لا تقبل البسط.
والإمام لما رأى ذهاب المتقدمين من الأصحاب وشيخه إلى القول بتوزيع النية على التكبير مع أنها لا تقبل ذلك-احتاج إلى تأويله وتأويل كل قول أيضاً، فقال: مرادهم من اشتراط بسط أجزاء النية على أجزاء التكبير: بسط أزمنة العلوم -أي: بالمنوي- وهي الأفعال الموصوفة؛ فيبتدئ باستحضار العلوم من: نوع الصلاة، وكونها ظهراً أو عصراً، ونحو ذلك مع التكبير، ثم يقدر تمام حصولها مع أجزاء التكبير، وعند ذلك يجرد القصد إلى ما حضر من العلوم به؛ فينطبق هذا القصد على أجزاء التكبير؛ إذ هو حالة العقد.

الصفحة 78