كتاب مسند الفاروق ت إمام (اسم الجزء: 3)
أردتُ أن تحفظوه لممشايَ معكم، إنَّكم تَقدَمُون على قومٍ للقرآن في صدورهم هَزيزٌ كهَزيز المِرْجَل، فإذا رَأَوكُم مَدُّوا إليكم أَعناقَهم، وقالوا: أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فأقلُّوا الروايةَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأنا شَريكُكُم.
إسناد جيد (¬1).
¬_________
(¬1) لكن له علَّة، فقد قال ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (2/ 1005 - 1006): روى مالك ومعمر وغيرهما عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، عن عبد الله بن عباس، عن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- في حديث السَّقيفة: أنه خَطَب يوم جمعة، فحَمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعدُ: «فإنِّي أريدُ أن أقولَ مقالةً، قُدِّر لي أنْ أقولها، من وَعَاها وعَقَلها وحفظها؛ فليُحدِّث بها حيث تنتهي به راحلتُه، ومَن خشي ألا يَعِيَها؛ فإنِّي لا أُحِلُّ له أن يَكذبَ عليَّ». فهذا يدل على أنَّ نهيه عن الإكثار، وأمره بإقلال الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما كان خوفَ الكذب على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وخوفًا أن يكونَ مع الإكثار أن يحدِّثوا بما لم يُتقِنُوا حفظَه ولم يَعوه، لأنَّ ضبط مَن قلَّت روايته أكثر من ضبط المستكثر، وهو أبعد من السَّهو والغلط الذي لا يؤمَن مع الإكثار، فلهذا أمرهم عمرُ بالإقلال من الرواية، ولو كره الروايةَ وذمَّها لنهى عن الإقلال منها والإكثار، ألا تراه يقول: فمن حفِظها ووَعَاها؛ فليحدِّث بها! فكيف يأمرهم بالحديث عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وينهاهم عنه؟! هذا لا يستقيم. بل كيف ينهاهم عن الحديث عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ويأمرهم بالإقلال منه؟ وهو يندبهم إلى الحديث عن نفسه، بقوله: «من حفظ مقالتي ووعاها فليحدِّث بها حيث تنتهي به راحلته». ثم قال: «ومَن خشي ألا يَعِيَها فلا يَكذِبُ عليَّ». وهذا يوضح لك ما ذكرنا، والآثار الصِّحاح عنه من رواية أهل المدينة بخلاف حديث قَرَظة هذا، وإنمَّا يدور على بَيَان، عن الشَّعبي، وليس مثلُه حجَّة في هذا الباب، لأنَّه يعارِض السُّنن والكتاب ... ، فكيف يتوهَّم أحدٌ على عمرَ -رضي الله عنه- أنه يأمر بخلاف ما أمر الله به؟! «جامع بيان العلم وفضله» (2/ 1005).
وقد خفيت هذه العلَّة على جماعة من الأفاضل، فصحَّحوا الأثر ولم يتنبَّهوا لعلته، فانظر: تحقيق شعيب الأرناؤوط لـ «شرح مشكل الآثار» للطحاوي (15/ 317) وتحقيق عمرو بن عبد المنعم سليم لـ «شرف أصحاب الحديث» (ص 160) و «المنهج المقترح» (ص 22) لحاتم الشَّريف.
الصفحة 9
320