كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

وهيء لَهُ فَإِذا أَتَى بِالسَّبَبِ أوصله إِلَى الْقدر الَّذِي سبق لَهُ فِي أم الْكتاب وكل مَا زَاد اجْتِهَادًا فِي تَحْصِيل السَّبَب كَانَ حُصُول الْمَقْدُور أدنى إِلَيْهِ وَهَذَا كَمَا إِذا قدر لَهُ أَن يكون من اعْلَم أهل زَمَانه فَإِنَّهُ لَا ينَال ذَلِك إِلَّا بِالِاجْتِهَادِ والحرص على التَّعَلُّم وأسبابه فَإِذا قدر لَهُ أَن يرْزق الْوَلَد لم ينل ذَلِك إِلَّا بِالنِّكَاحِ اَوْ التَّسَرِّي وَالْوَطْء
وَإِذا قدر لَهُ أَن يستغل من أرضه من الْمغل كَذَا وَكَذَا لم ينله إِلَّا بالبذر وَفعل أَسبَاب الزَّرْع وَإِذ قدر الشِّبَع والري فَذَلِك مَوْقُوف على الْأَسْبَاب المحصلة لذَلِك من الْأكل وَالشرب واللبس وَهَذَا هُوَ شان امور المعاش والمعاد فَمن عطل الْعَمَل اتكالا على الْقدر السَّابِق فَهُوَ بِمَنْزِلَة من عطل الْأكل وَالشرب وَالْحَرَكَة فِي المعاش وَسَائِر أَسبَابه اتكالا على مَا قدر لَهُ فالقدر السَّابِق معِين على الْأَعْمَال وَمَا يحث عَلَيْهَا ومقتضي لَهَا لَا أَنه منَاف لَهَا وصاد عَنْهَا وَهَذَا مَوضِع مزلة قدم من ثبتَتْ قدمه فَازَ بالنعيم الْمُقِيم وَمن زلت قدمه عَنهُ هوى إِلَى قَرَار الْجَحِيم فالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرشد الْأمة فِي الْقدر إِلَى امرين هما سَببا السَّعَادَة الْإِيمَان بالأقدار فَإِنَّهُ نظام التَّوْحِيد والإتيان بالأسباب الَّتِي توصل إِلَى خَيره وتحجز عَن شَره وَذَلِكَ نظام الشَّرْع فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى نظام التَّوْحِيد وَالْأَمر فَأبى المنحرفون إِلَّا الْقدح بإنكاره فِي أصل التَّوْحِيد أَو الْقدح بإثباته فِي أصل الشَّرْع وَلم تتسع عقلوهم الَّتِي لم يلق الله عَلَيْهَا من نوره للْجمع بَين مَا جمعت الرُّسُل جَمِيعهم بَينه وَهُوَ الْقدر وَالشَّرْع والخلق وَالْأَمر وَهدى الله الَّذين آمنُوا لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَدِيد الْحِرْص على جمع هذَيْن الْأَمريْنِ للْأمة وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احرص على مَا ينفعك واستعن بِاللَّه وَلَا تعجز وَإِن الْعَاجِز من لم يَتَّسِع للأمرين وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

الصفحة 157