كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

الْأَعْيَان وَالْأَفْعَال من الْخَيْر وَالشَّر
وَقَالَ أم جعلُوا لله شُرَكَاء خلقُوا كخلقه فتشابه الْخلق عَلَيْهِم قل الله خَالق كل شَيْء فنفى ان يكون خَالق غَيره وَنفى أَن يكون شَيْء سواهُ غير مَخْلُوق
وَمن أصرح الْأَدِلَّة وأوضحها دلَالَة على أَن أَفعَال الْعباد مخلوقة لَهُ تَعَالَى قَوْله تَعَالَى {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} فَأخْبر أَن أَعْمَالهم مخلوقة لله عز وَجل وَفِيمَا رَوَاهُ البقيهي عَن قَتَادَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى (أتعبدون مَا تنحتون) قَالَ الْأَصْنَام (وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ) قَالَ خَلقكُم وَخلق مَا تَعْمَلُونَ بِأَيْدِيكُمْ وَقَالَ تَعَالَى وَخلق كل شَيْء وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم فامتدح بالقولين جَمِيعًا فَكَمَا لَا يخرج شَيْء من علمه لَا يخرج شَيْء غَيره من خلقه وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى {وأسروا قَوْلكُم أَو اجهروا بِهِ إِنَّه عليم بِذَات الصُّدُور أَلا يعلم من خلق وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير} فَأخْبر أَن قَوْلهم وسرهم وجهرهم خلقه وَهُوَ بِجَمِيعِ ذَلِك عليم وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنه هُوَ أضْحك وأبكى وَأَنه هُوَ أمات وَأَحْيَا} فَكَمَا كَانَ مميتا محييا بِأَن خلق الْمَوْت والحياة كَانَ مضحكا مبكيا بِأَن خلق الضحك والبكاء وَقد يضْحك الْكَافِر سُرُورًا بقتل الْمُسلمين وَهُوَ مِنْهُ كفر وَقد يبكي خوفًا بِظُهُور الْمُسلمين وَهُوَ مِنْهُ كفر ثَبت أَن الْأَفْعَال كلهَا خَيرهَا وشرها صادرة عَن خلقه وإحداثه إِيَّاهَا وبمثل مَا جَاءَت الْآيَات القرآنية من الدّلَالَة على شُمُول الْقدر الإلهي لأفعال الْعباد وَغَيرهَا جَاءَت السّنة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره من عُلَمَاء السّنة

الصفحة 162