كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

قَالَ شَارِح القصيدة الدكتور خَلِيل هراس رَحمَه الله وَالْحق الَّذِي عَلَيْهِ أهل السّنة أَن أَفعَال الْحَيَوَانَات تنْسب إِلَى الله عز وَجل على انه خَالِقهَا وموجدها كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} وتنسب إِلَيْهَا على أَنَّهَا أَفعَال لَهَا صادرة عَن قدرهَا وإراداتها الْحَادِثَة وَلَا تنَافِي بَين الْأَمريْنِ فَإِن معنى كَونهَا مخلوقة لله أَن الله خلق جَمِيع الْأَسْبَاب الَّتِي وجدت بهَا مثل الْقدر والإرادات والحواس والآلات والمواد الخارجية الَّتِي تقع عَلَيْهَا الْأَفْعَال وَمعنى كَونهَا أفعالا للعباد أَنهم هم الَّذين باشروها بقدرهم وإراداتهم مُبَاشرَة تجوز اتصافهم بهَا على الْحَقِيقَة فَيُقَال صلى وَصَامَ وزنى وسرق هَذَا هُوَ مَذْهَب الْأمة الْوسط الَّذِي يجمع بَين الْآيَات الدَّالَّة على عُمُوم خلقه سُبْحَانَهُ مثل قَوْله الله خَالق كل شَيْء
وَبَين الْآيَات الدَّالَّة على نِسْبَة الْأَفْعَال إِلَى الْعباد وَهِي كَثِيرَة مثل قَوْله تَعَالَى {اعْمَلُوا مَا شِئْت} وَقَوله {وَقل اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون} الْآيَة وَقَوله {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} وَلَكِن أهل الْجَبْر الَّذين ينفون عَن العَبْد الْقُدْرَة على الْفِعْل وَلَا يسمونه فَاعِلا إِلَّا على جِهَة الْمجَاز والقدرية الَّذين يَزْعمُونَ أَن العَبْد مُسْتَقل بِخلق أَفعاله دون أَن تتَعَلَّق بهَا قدرَة الله ومشيئته نظرُوا إِلَى الْمَسْأَلَة بِعَين أَعور حِين أَخذ كل مِنْهُم بِجَانِب من الْحق دون جَانب فالمجبرة غلبوا عُمُوم الْقُدْرَة والمشيئة فَلم يجْعَلُوا للْعَبد فعلا وَلَا جَعَلُوهُ مسؤولا عَمَّا يصدر مِنْهُ إِذْ لَا يسْأَل عَمَّا لَيْسَ من فعله والقدرية غلبوا جَانب التَّكْلِيف وَالْأَمر وَالنَّهْي فخصصوا فِي الْقدر والمشيئة وعزلوا أَفعَال الْعباد عَن الدُّخُول تحتهما تَحْقِيقا لمسؤولية العَبْد وتصحيحا للتكليف وَهَكَذَا نظرت كل من الطَّائِفَتَيْنِ نظرا قاصرا فَلم يُؤمنُوا بِالْكتاب كُله الدَّال على إِثْبَات عُمُوم قَضَاء الله وَقدره ومشيئته وعَلى ان

الصفحة 164