كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

مَحل إِجْمَاع لَدَى عُلَمَاء السّنة
سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَقيل لَهُ إِن الرجل إِذا قطع الطَّرِيق وسرق أَو اكل الْحَرَام وَنَحْو ذَلِك هَل هُوَ رزقه الَّذِي ضمن الله تَعَالَى لَهُ أم لَا
فَأجَاب قَائِلا الْحَمد لله لَيْسَ هَذَا هُوَ الرزق الَّذِي أَبَاحَهُ الله لَهُ وَلَا يحب ذَلِك وَلَا يرضاه وَلَا أمره أَن ينْفق مِنْهُ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ} وَكَقَوْلِه تَعَالَى وأنفقوا مِمَّا رزقناكم وَنَحْو ذَلِك لم يدْخل فِيهِ الْحَرَام بل من أنْفق من الْحَرَام فَإِن الله تَعَالَى يذمه وَيسْتَحق بذلك الْعقَاب فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِحَسب دينه وَقد قَالَ الله {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} وَلَكِن هَذَا الرزق الَّذِي سبق بِهِ علم الله وَقدره كَمَا فِي // الحَدِيث الصَّحِيح // عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يجمع خلق أحدكُم فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يبْعَث الله إِلَيْهِ الْملك فَيُؤْمَر بِأَرْبَع كَلِمَات فَيكْتب رزقه وَعَمله وأجله وشقي أَو سعيد فَكَمَا أَن الله كتب مَا يُعلمهُ من خير أَو شَرّ وَهُوَ يثيبه على الْخَيْر ويعاقبه على الشَّرّ فَكَذَلِك كتب مَا يرْزق من حَلَال أَو حرَام مَعَ أَنه يُعَاقِبهُ على الرزق الْحَرَام وَلِهَذَا كل مَا فِي الْوُجُود وَاقع بِمَشِيئَة الله وَقدره كَمَا تقع سَائِر الْأَعْمَال لَكِن لَا عذر لأحد بِالْقدرِ بل الْقدر يُؤمن بِهِ وَلَيْسَ لأحد أَن يحْتَج على الله بِالْقدرِ بل لله الْحجَّة الْبَالِغَة وَمن احْتج بِالْقدرِ على ركُوب الْمعاصِي فحجته داحضة وَمن اعتذر بِهِ فعذره غير مَقْبُول كَالَّذِين قَالُوا {لَو شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا} وَالَّذين قَالُوا {لَو شَاءَ الرَّحْمَن مَا عبدناهم} إِلَى أَن قَالَ فَأَما الرزق الَّذِي ضمنه الله لِعِبَادِهِ فَهُوَ قد ضمن لمن يتقيه أَن يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب وَأما من لَيْسَ من الْمُتَّقِينَ فضمن لَهُ مَا يُنَاسِبه بِأَن يمنحه مَا يعِيش بِهِ فِي الدُّنْيَا ثمَّ يُعَاقِبهُ فِي

الصفحة 167