كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

بذلك من أهل الْجنَّة فبذلك نعلم أَن الله خلق الْإِنْسَان لوَاحِدَة من المنزلتين إِمَّا للجنة وَإِمَّا للنار وَمَعَ هَذَا كُله فقد بَين الرَّسُول الْكَرِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْإِيمَان بِالْقدرِ لَا يمْنَع الْعَمَل بِطَاعَة الله وَرَسُوله فَلَا يجوز لأحد أَن يتقاعس عَن الْعَمَل بتكاليف الشَّرِيعَة الَّتِي جَاءَت بهَا الرُّسُل الْكِرَام عَلَيْهِم الصَّلَاة السَّلَام احتجاجا بِالْقدرِ وبيانا لهَذَا الْمَعْنى يَقُول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من نفس منفوسة إِلَّا كتب مَكَانهَا من الْجنَّة اَوْ النَّار وَإِلَّا كتبت شقية أَو سعيدة فَقَالَ رجل أَفلا نَتَّكِل على كتابها يَا رَسُول الله وَنَدع الْعَمَل قَالَ لَا وَلَكِن اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ أما أهل الشَّقَاء فييسرون لعمل أهل الشَّقَاء وَأما أهل السَّعَادَة فييسرون لعمل أهل السَّعَادَة ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى وَصدق بِالْحُسْنَى فسنيسره لليسرى} // أخرجه مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد //
قلت وَمَا ذكره ابْن بطة فِي هَذِه الْأَبْوَاب الثَّلَاثَة من إِثْبَات الْعلم الإلهي الأزلي بِأَهْل الْجنَّة وَالنَّار السعيد والشقي مِنْهُم وتمييز بَعضهم عَن بعض لم يخْتَلف فِي ذَلِك أحد سوى الْقَدَرِيَّة الْأَوَائِل الَّذين يُنكرُونَ علمه السَّابِق وَتَقْدِيره الأزلي عز وَجل إِذْ ثَبت بأدلة من الْكتاب وَالسّنة أَن الله خلق النَّاس فريقين فريقا للجنة وفريقا للسعير علمهمْ قبل وجودهم بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِم وقبائلهم كَمَا بَينه ابْن بطة وَغَيره من عُلَمَاء السّنة وَلَكِن الجدير بِالذكر هُنَا أَن تحديده تَعَالَى بأصحاب الْجنَّة وَالنَّار وتعيينهم وَالْحكم عَلَيْهِم بذلك أزلا لَا يَعْنِي أَن الله جعلهم من أهل الْجنَّة وَالنَّار بِدُونِ أَسبَاب تَقْتَضِي ذَلِك فالمؤمن يدْخل الْجنَّة بِسَبَب إيمَانه وجده فِي الطَّاعَة وَالْعَمَل الصَّالح وَالْكَافِر يدْخل النَّار بِسَبَب كفره وَكَذَلِكَ العَاصِي وَالْفَاسِق يستحقان النَّار إِن لم يغْفر الله لَهما بِسَبَب تقصيرهما فِي الْعَمَل الصَّالح وارتكابهما الْكَبَائِر إِذْ وعد الله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا

الصفحة 171