كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

مِنْهَا الْجَبْر مثل فَمنهمْ شقي وَسَعِيد {فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير} ... يكْتب رزقه وأجله وشقي أَو سعيد هَؤُلَاءِ إِلَى الْجنَّة وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاء إِلَى النَّار وَلَا أُبَالِي ...
لقد كتب الله على نَفسه الرَّحْمَة وَمن رَحمته بالمكلفين أَن منحهم سَعَادَة الْحُرِّيَّة وَالِاخْتِيَار والإرادة فَإِن استفادوا من هَذِه الموهبة وَعمِلُوا صَالحا سعدوا وَإِن أهملوها شَقوا إِذن فسعادة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ثمار إِيمَان واستقامة وشقاؤها ثمار انحراف والمكلف قَادر على تَمْثِيل الدورين وَهَذَا ناموس عَام ثَابت نعم علم الله مَاذَا سيفعل مُطلق مُكَلّف وَعلم مَا سَيكون لأعمال الْمُكَلف من أثر فِي مستقبله وَلَكِن علمه لَا يَقْتَضِي جبر الْمُكَلف إِذْ الْجَبْر والتكليف لَا يَجْتَمِعَانِ بل يَعْنِي الْإِحَاطَة والشمول إِذْ هما لله وَحده ... لقد عبد الله طَرِيق السَّعَادَة وأمرنا بسلوكه وكفل لنا سَلامَة الْوُصُول إِن صممنا على الْوُصُول أما الشَّقَاء فظلمة لَا تخيم إِلَّا حَيْثُ يَنْعَدِم النُّور وَهُوَ طَاقَة كامنة فِينَا لَا تنعدم إِلَّا إِذا أردنَا إعدامها
وَقَالَ ابْن الْقيم بعد أَو أورد أَحَادِيث وآثار تدل على أَن عمل العَبْد هُوَ السَّبَب فِي سعادته أَو شقاوته قَالَ فَهَذِهِ وَغَيرهَا تدل على أَن الله سُبْحَانَهُ قدر أَعمال بني آدم وأرزاقهم وآجالهم وسعادتهم وشقاوتهم عقب خلق أَبِيهِم وأراهم لأبيهم آدم صورهم وأشكالهم ... فَالله سُبْحَانَهُ قد علم قبل أَن يُوجد عباده أَحْوَالهم وَمَا هم عاملون وَمَا هم إِلَيْهِ سائرون ثمَّ أخرجهم إِلَى هَذِه الدَّار ليظْهر معلومه الَّذِي علمه فيهم كَمَا علمه وابتلاهم من الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَيْر وَالشَّر بِمَا أظهر معلومه فاستحقوا الْمَدْح والذم وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب بِمَا قَامَ بهم من الْأَفْعَال

الصفحة 174