كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

وَالصِّفَات الْمُطَابقَة للْعلم السَّابِق وَلم يَكُونُوا يسْتَحقُّونَ ذَلِك وَهِي فِي علمه قبل أَن يعملوها فَأرْسل رسله وَأنزل كتبه وَشرع شرائعه إعذارا إِلَيْهِم وَإِقَامَة للحجة عَلَيْهِم لِأَن لَا يَقُولُوا كَيفَ تعاقبنا على علمك فِينَا وَهَذَا لَا يدْخل تَحت كسبنا وقدرتنا فَلَمَّا ظهر علمه فيهم بأفعالهم حصل الْعقَاب على معلومه الَّذِي أظهره الِابْتِلَاء والاختبار ...
ذكر الشَّيْخ رشيد رضَا فِي تَفْسِيره فِي قَوْله تَعَالَى وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم كثيرا من الْإِنْس وَالْجِنّ إِن الله ذرأهم لِجَهَنَّم لأجل إعراضهم عَن أوَامِر الله يدل لذَلِك السِّيَاق فِي نفس الْآيَة لَهُم قُلُوب لَا يفقهُونَ بهَا وَلَهُم أعين لَا يبصرون بهَا وَلَهُم آذان لَا يسمعُونَ بهَا أُولَئِكَ كالأنعام بل هم أضلّ وَأُولَئِكَ هم الغافلون
وَقَالَ فِي تَفْسِير الْآيَة مَعْنَاهُ نقسم أننا خلقنَا وبثثنا فِي الْعَالم كثيرا من الْجِنّ وَالْإِنْس لأجل سُكْنى جَهَنَّم وَالْمقَام فِيهَا أَي كَمَا ذرأنا للجنة مثل ذَلِك وَهُوَ متقضى استعداد الْفَرِيقَيْنِ فَمنهمْ شقي وَسَعِيد فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير وبماذا كَانَ هَؤُلَاءِ معدين لِجَهَنَّم دون الْجنَّة وَمَا صفاتهم المؤهلة لذَلِك
الْجَواب ذَلِك بِأَن لَهُم قلوبا لَا يفقهُونَ بهَا وَلَهُم أعين لَا يبصرون بهَا ... إِلَخ
وَرجح ابْن تَيْمِية أَن تكون اللَّام فِي الْآيَة الْكَرِيمَة {وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم كثيرا من الْجِنّ وَالْإِنْس} الْآيَة للغاية وَلَيْسَت للعاقبة وَضعف قَول الَّذين يَقُولُونَ إِنَّهَا للعاقبة لِأَن معنى الْعَاقِبَة غير مُنَاسِب هُنَا وَذَلِكَ لِأَن لَام الْعَاقِبَة الَّتِي لم يقْصد فِيهَا الْفِعْل لأجل الْعَاقِبَة إِنَّمَا تكون من جَاهِل أَو عَاجز فَالْأول

الصفحة 175