كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

والأسباب وَإِن كَانَت نَوْعَيْنِ مُعْتَادَة وغيرية فالمعتادة كولادة الْآدَمِيّ من أبوين والغربية كولادة الْإِنْسَان من أم فَقَط كَمَا ولد عِيسَى أَو من أَب فَقَط كَمَا ولدت حَوَّاء أَو من غير أبوين كَمَا خلق آدم أَبُو الْبشر من طين فَجَمِيع الْأَسْبَاب قد تقدم علم الله بهَا وكتابته لَهَا وَتَقْدِيره إِيَّاهَا وقضاؤه بهَا كَمَا تقدم ربط ذَلِك بالمسببات كَذَلِك أَيْضا الْأَسْبَاب الَّتِي بهَا يخلق النَّبَات من إِنْزَال الْمَطَر وَغَيره من هَذَا الْبَاب كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا أنزل الله من السَّمَاء من مَاء فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا وَبث فِيهَا من كل دَابَّة} {فأنزلنا بِهِ المَاء فأخرجنا بِهِ من كل الثمرات} وَقَالَ وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ وأمثال ذَلِك فَجَمِيع ذَلِك مُقَدّر مَعْلُوم مقضي مَكْتُوب قبل تكوينه فَمن ظن أَن الشَّيْء إِذا علم وَكتب أَنه يَكْفِي ذَلِك فِي وجوده وَلَا يحْتَاج إِلَى مَا بِهِ يكون من الْفَاعِل الَّذِي يَفْعَله وَسَائِر الْأَسْبَاب فَهُوَ جَاهِل ضال ضلالا مُبينًا ... وَهُوَ سُبْحَانَهُ قد علم أَن المكونات تكون بِمَا يخلقه من الْأَسْبَاب لِأَن ذَلِك هُوَ الْوَاقِع فَمن قَالَ أَنه يعلم شَيْئا بِدُونِ الْأَسْبَاب فقد قَالَ على الله الْبَاطِل وَهُوَ بِمَنْزِلَة من قَالَ إِن الله يعلم أَن هَذَا الْوَلَد ولد بِلَا أبوين وَأَن هَذَا النَّبَات نبت بِلَا مَاء فَإِن تعلق الْعلم بالماضي والمستقبل سَوَاء فَكَمَا ان من أخبر عَن الْمَاضِي بِعلم الله بِوُقُوعِهِ بِدُونِ الْأَسْبَاب يكون مُبْطلًا
فَكَذَلِك من أخبر عَن الْمُسْتَقْبل كَقَوْل الْقَائِل أَن الله علم أَنه خلق آدم من غير طين وَعلم أَنه يتانسل النَّاس من غير تناكح وَأَنه أنبت الزروع من غير مَاء وَلَا تُرَاب فَهُوَ بَاطِل ظَاهر لكل أحد وَكَذَلِكَ إخْبَاره عَن الْمُسْتَقْبل وَكَذَلِكَ الْأَعْمَال هِيَ سَبَب فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب فَلَو قَالَ قَائِل إِن الله أخرج آدم من الْجنَّة بِلَا ذَنْب وَأَنه قدر ذَلِك أَو قَالَ إِنَّه غفر لآدَم بِلَا تَوْبَة وَأَنه علم ذَلِك

الصفحة 178