كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

كَثِيرَة من كتاب الله وَسنة رَسُوله والْآثَار المنقولة عَن السّلف والمفسرين الدَّالَّة على أَن الله تَعَالَى أرسل الشَّيَاطِين على الْكَافرين بدعوتهم إِلَى الشّرك وَالْمقَام على الْكفْر والمعاصي كل ذَلِك ليتم مَا علم وَلَا يكون إِلَّا مَا قدر وَعلم فسبحان من جعل هَذَا هَكَذَا وحجب قُلُوب الْخلق ومنعهم على مُرَاده فِي ذَلِك وَجعله سره المخزون وَعلمه الْمكنون وَيصدق لذَلِك قَوْله تَعَالَى {ألم تَرَ أَنا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين تؤزهم أزا} أَي تهيجهم وتحرضهم على الْمعاصِي وَالْكفْر
وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى {وقيضنا لَهُم قرناء فزينوا لَهُم مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم وَحقّ عَلَيْهِم القَوْل فِي أُمَم قد خلت من قبلهم من الْجِنّ وَالْإِنْس إِنَّهُم كَانُوا خاسرين}
وَقَالَ عز وَجل {وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن نقيض لَهُ شَيْطَانا فَهُوَ لَهُ قرين وَإِنَّهُم ليصدونهم عَن السَّبِيل وَيَحْسبُونَ أَنهم مهتدون}
فقد أخبرنَا عز وَجل أَنه يُرْسل الشَّيَاطِين فتْنَة للْكَافِرِينَ الَّذين حق عَلَيْهِم القَوْل وَمن سبقت عَلَيْهِم الشقوة حَتَّى يؤزرهم أزا ويحرضوهم على الْكفْر تحريضا ويزينوا لَهُم سوء أَعْمَالهم فَهَذَا كَلَام الله عز وَجل وإخباره عَن فعله فِي خلقه يعلمهُمْ أَن الْمفْتُون من فتْنَة الله والمهتدي من هداه الله والضال من أضلّهُ الله وَحَال بَينه وَبَين الْهدى فَعَن ابْن عَبَّاس وَالْحسن الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بفاتنين إِلَّا من هُوَ صال الْجَحِيم} قَالُوا لَا تفتنون إِلَّا من قدر لَهُ أَن يصلى الْجَحِيم وَعَن عمر ابْن عبد الْعَزِيز أَن الله عز وَجل لَو أَرَادَ أَن لَا يَعْصِي مَا خلق إِبْلِيس وَذَلِكَ لكَونه

الصفحة 184