كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

فحال بَين قبُول مَا ينجيهم مِنْهَا فقد قَالَ الله عز وَجل {وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم كثيرا من الْجِنّ وَالْإِنْس لَهُم قُلُوب لَا يفقهُونَ بهَا وَلَهُم أعين لَا يبصرون بهَا وَلَهُم آذان لَا يسمعُونَ بهَا أُولَئِكَ كالأنعام بل هم أضلّ}
قلت تَقْدِير الْهِدَايَة والإضلال وتسليط الشَّيْطَان على من يَشَاء من عباده وَكِتَابَة الْمعْصِيَة على آدم قبل خلقه وَجعل الْخَتْم والطبع على الْقُلُوب والغشاوة على الْأَبْصَار والحيلولة بَين الْمَرْء وَالْإِيمَان كل هَذَا وَغَيره مِمَّا ذكره ابْن بطة لَا يتنازع فِيهِ عُلَمَاء السّنة وَذَلِكَ لثُبُوته بأدلة من الْكتاب وَالسّنة كَمَا وضحه ابْن بطة فِي هَذِه الْأَبْوَاب الْمَذْكُورَة وَغَيرهَا من أَبْوَاب هَذَا الْكتاب
وَلَكِن الطائفتان الْقَدَرِيَّة والجبرية ضلت عَن الثَّوَاب فِي الْمَسْأَلَة لعدم دراستها لنصوص الْكتاب وَالسّنة فِي مسَائِل الْقدر دراسة شَامِلَة لجَمِيع جوابنها حَيْثُ أَن كل وَاحِدَة من الطَّائِفَتَيْنِ تَأْخُذ جانبا من الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة تظن انه يُؤَيّد مذهبها فِي الْجَبْر أَو فِي نفي الْقدر وتترك الْجَانِب الآخر الَّذِي يكون حجَّة عَلَيْهَا فَزَعَمت الْقَدَرِيَّة أَنه لَيْسَ هُنَاكَ تَقْدِير للهداية والإضلال أزلا رغم وُرُود مئات من نُصُوص الْكتاب وَالسّنة تدل على ثُبُوت ذَلِك كُله كَمَا وضحها ابْن بطة وَغَيره من عُلَمَاء السّنة وَادعت أَن العَبْد هُوَ الَّذِي يخلق الْهِدَايَة والضلال لنَفسِهِ دون مَشِيئَة الله تَعَالَى وَتَقْدِيره الأزلي فَالله تَعَالَى فِي نظرهم لَيْسَ هاديا وَلَا مضلا للعباد وَلَا سُلْطَان للشَّيْطَان على أحد من خلقه وَلم يقدر الْمعْصِيَة على آدم وَغَيره من الْعباد وَلم يَجْعَل الْخَتْم والطبع والغشاوة والران والقفل على قُلُوبهم وَلَكِن الَّذِي يفعل ذَلِك كُله هُوَ العَبْد أَو الشَّيْطَان دون إِرَادَة من الله تَعَالَى إِذْ لَا يُمكن أَن يكون ذَلِك من الله لِأَن ذَلِك كَا يَقُولُونَ يتنافى مَعَ عَدَالَة الرب عز وَجل وَقَالَت الجبرية أَن العَبْد مجبور لَا يَسْتَطِيع الْحَرَكَة نَحْو الْخَيْر وَالشَّر

الصفحة 190