كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

على أَن العَبْد مجبور مسلوب الْإِرَادَة وَالِاخْتِيَار وضح ذَلِك بقوله وَالْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره إِنَّمَا يدل على أَن الطَّبْع والختم والغشاوة لم يَفْعَلهَا الرب سُبْحَانَهُ بِعَبْدِهِ من أول وهلة حِين أمره بِالْإِيمَان أَو بَين لَهُ وَإِنَّمَا فعله بعد تكْرَار الدعْوَة مِنْهُ سُبْحَانَهُ والتأكيد فِي الْبَيَان والإرشاد وتكرار الْأَعْرَاض مِنْهُم وَالْمُبَالغَة فِي الْكفْر والعناد فَحِينَئِذٍ يطبع على قُلُوبهم وَيخْتم عَلَيْهَا فَلَا تقبل الْهدى بعد ذَلِك والإعراض وَالْكفْر الأول لم يكن مَعَ ختم وطبع بل كَانَ اخْتِيَارا فَلَمَّا تكَرر مِنْهُم صَار طبيعة وسجية
ثمَّ سَاق ابْن الْقيم أَدِلَّة من كتاب الله توضح هَذَا الْمَعْنى مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا زاغوا أزاغ الله قُلُوبهم وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين}
وَقَالَ {كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
وَقَالَ {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كَمَا لم يُؤمنُوا بِهِ أول مرّة ونذرهم فِي طغيانهم يعمهون}
وَقَالَ سُبْحَانَهُ {ثمَّ انصرفوا صرف الله قُلُوبهم}
وَقَالَ {بل طبع الله عَلَيْهَا بكفرهم}
وَقَالَ سُبْحَانَهُ {فأعقبهم نفَاقًا فِي قُلُوبهم إِلَى يَوْم يلقونه بِمَا أخْلفُوا الله مَا وعدوه وَبِمَا كَانُوا يكذبُون}
إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات الَّتِي تُؤدِّي هَذَا الْمَعْنى وَهِي كَثِيرَة فِي الْقُرْآن الْكَرِيم

الصفحة 194