كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

وَمن هُنَا نعلم أَن الرب لَا يضل أحدا إِلَّا من اخْتَار لنَفسِهِ الضلال وَلَا يحول بَينه وَبَين الْإِيمَان إِلَّا من أعرض عَن الْهدى وَالْإِيمَان وَلَا يُسَلط الشَّيْطَان إِلَّا على الَّذين يتولونه فيزين لَهُم أَعْمَالهم كَمَا قَالَ تَعَالَى إِنَّمَا سلطناه على الَّذين يتلونه
وَقد أخبرنَا سُبْحَانَهُ أَنه لَا يُسَلط الشَّيْطَان على عباده المخلصين الَّذين يتسلحون بسلاح التَّقْوَى وَالْإِيمَان كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان وَكفى بِرَبِّك وَكيلا} فالآية صَرِيحَة فِي أَن الله يُسَلط الشَّيْطَان على عباده وَلكنه خَاص بالذين يتولونه وَلَا سُلْطَان لَهُ على الَّذين يتولون الله وَرَسُوله
وَقد كتب غير وَاحِد من عُلَمَاء السّنة فِي بَيَان أَن الله تَعَالَى هُوَ الَّذِي يضل وَيُرْسل الشَّيَاطِين على الْكَافرين مِنْهُم الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْآجُرِيّ كِتَابه الشَّرِيعَة فَإِنَّهُ عقد عنوانا خَاصّا لبَيَان هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ بَاب ذكر مَا أخبرنَا بِهِ عز وَجل أَنه أرسل الشَّيَاطِين على الْكَافرين فيضلونهم وَلَا يضلون إِلَّا من سبق فِي علمه أَنه لَا يُؤمن وَلَا يضرون أحدا إِلَّا بِإِذن الله عز وَجل ثمَّ سَاق أَدِلَّة كَثِيرَة من كتاب الله تَعَالَى كَمَا فعل ابْن بطة إِلَى أَن قَالَ وَقد أخبرنَا أَنه هُوَ الَّذِي فتن قوم مُوسَى حَتَّى عبدُوا الْعجل بِمَا قيض لَهُم السامري فأضلهم بِمَا عمل لَهُم من الْعجل ألم تسمعوا إِلَى قَوْله عز وَجل لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَإنَّا قد قتنا قَوْمك من بعْدك وأضلهم السامري
وَقَالَ عز وَجل فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء {ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة وإلينا ترجعون}
وَقَالَ عز وَجل فِي سُورَة حم الْمُؤمن {وَكَذَلِكَ زين لفرعون سوء عمله وَصد عَن السَّبِيل} الْآيَة

الصفحة 195