كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

كَمَا كتب ابْن الْقيم أَيْضا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فساق أَدِلَّة قرآنية كَثِيرَة تدل على أَن الله تَعَالَى أرسل الشَّيَاطِين على من أضلّهُ الله من عباده وَمِمَّا اسْتدلَّ بِهِ من الْآيَات القرآنية قَوْله تَعَالَى إِنَّا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين تؤزرهم أزا
ثمَّ قَالَ فِي بَيَان معنى إرْسَال الشَّيَاطِين على الْكَافرين فِي الْآيَة الْكَرِيمَة فالإرسال هَاهُنَا إرْسَال كوني قدري كإرسال الرِّيَاح وَلَيْسَ بإرسال ديني شَرْعِي فَهُوَ إرْسَال تسليط بِخِلَاف قَوْله فِي الْمُؤْمِنُونَ {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان} فَهَذَا السُّلْطَان الْمَنْفِيّ عَنهُ على الْمُؤمن هُوَ الَّذِي أرسل بِهِ جنده على الْكَافرين
قَالَ أَبُو إِسْحَاق وَمعنى الْإِرْسَال هَاهُنَا التسليط تَقول قد أرْسلت فلَانا على فلَان إِذا سلطته عَلَيْهِ كَمَا قَالَ {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين} فَاعْلَم أَن من اتبعهُ هُوَ مسلط عَلَيْهِ
ثمَّ قَالَ ابْن الْقيم وَيشْهد لَهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا سُلْطَانه على الَّذين يتولونه وَالَّذين هم بِهِ مشركون}
ثمَّ قَالَ فِي بَيَان معنى قَوْله تَعَالَى {تؤزهم أزا} فالأز فِي اللُّغَة التحريك والتهييج وَمِنْه يُقَال لغليان الْقدر الأزيز لتحرك المَاء عِنْد الغليان وَفِي الحَدِيث كَانَ لصدر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أزيز كأزيز الْمرجل من الْبكاء وَعبارَة السّلف تَدور على هَذَا الْمَعْنى
قَالَ ابْن عَبَّاس تغريهم إغراء وَفِي رِوَايَة أُخْرَى عَنهُ تسلهم سلا وَفِي رِوَايَة أُخْرَى تحرضهم تحريضا وَفِي أُخْرَى تزعجهم للمعاصي إزعاجا وَفِي رِوَايَة أُخْرَى توقدهم إيقادا أَي كَمَا يَتَحَرَّك المَاء بالوقد تَحْتَهُ ...

الصفحة 196