كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

أعلم بالمهتدين)
وَقَالَ سُبْحَانَهُ {إِن الله يسمع من يَشَاء وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور إِن أَنْت إِلَّا نَذِير}
وَقَالَ وَلَو شَاءَ الله لجعلهم أمة وَاحِدَة وَلَكِن يدْخل من يَشَاء فِي رَحمته والظالمين مَا لَهُم من ولي وَلَا نصير
وَقَالَ أَيْضا فَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة فَلَو شَاءَ لهداهم أَجْمَعِينَ
والآيات فِي هَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة جدا نكتفي بِهَذَا الْقدر خوف الإطالة فالرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلق خلقه لما شَاءَ وَكَيف شَاءَ خلقهمْ وَمَا يعْملُونَ فالمشيئة لَهُ وَحده فَهُوَ يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه قُلُوب الْعباد بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن يقلبها كَيفَ يَشَاء فَلهَذَا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر فِي دُعَائِهِ من القَوْل يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب} فَسَأَلَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّبَات من ربه فَلَو كَانَ الْأَمر بيد العَبْد لَا يحْتَاج إِلَى مَشِيئَة الرب وإرادته كَمَا تدعيه الْقَدَرِيَّة الَّتِي تزْعم أَن للْعَبد مَشِيئَة مُسْتَقلَّة عَن مَشِيئَته سُبْحَانَهُ لما سَأَلَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّبَات والاستقامة من ربه فَفِي الْأَثر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة {وحيل بَينهم وَبَين مَا يشتهون} قَالَ حيل بَينهم وَبَين الْإِيمَان فالآية نصت على أَن الله

الصفحة 202