كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

يحول بَين الْمَرْء وَقَبله وَلَيْسَ للْعَبد قدرَة يمْتَنع بهَا عَن ذَلِك فَلَو كَانَ الْأَمر إِلَيْهِ لما حيل بَينه وَبَين الْإِيمَان
وَقَالَ فِي تَفْسِير قَول الله تَعَالَى {كَذَلِك سلكناه فِي قُلُوب الْمُجْرمين} قَالَ فالشرك مسلكه فِي قُلُوبهم
وَعَن ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله عز وَجل {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء} يَقُول كَمَا لَا يَسْتَطِيع ابْن آدم أَن يبلغ السَّمَاء فَكَذَلِك لَا يقدر أَن يدْخل التَّوْحِيد وَالْإِيمَان فِي قلبه حَتَّى يدْخلهُ الله عز وَجل فِي قلبه وَلَقَد كَانَ النَّبِيُّونَ والأمم الْمَاضِيَة وقريش فِي جاهليتهم يثبتون الْمَشِيئَة لله تَعَالَى وَأَنَّهُمْ لَا يشاؤون إِلَّا مَا شَاءَ الله فَلم يَقع النقاش والنزاع بَين الْأَنْبِيَاء وأممهم حول مَشِيئَة الرب وإرادته بل كَانُوا يحتجون بِمَشِيئَة الله تَعَالَى فِي عدم الْإِيمَان بهم فَقَالَت قُرَيْش احتجاجا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عدم إيمَانهَا بربها لَو شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء كَذَلِك كذب الَّذين من قبلهم حَتَّى ذاقوا بأسنا ... . الْآيَة
وَقَالَ قوم نوح {يَا نوح قد جادلتنا فَأَكْثَرت جدالنا فأتنا بِمَا تعدنا إِن كنت من الصَّادِقين} فَقَالَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام مجيبا لَهُم {إِنَّمَا يأتيكم بِهِ الله إِن شَاءَ وَمَا أَنْتُم بمعجزين وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم هُوَ ربكُم وَإِلَيْهِ ترجعون}

الصفحة 203