كتاب الإبانة الكبرى لابن بطة (اسم الجزء: 3)

فَلَو كَانَ الْأَمر كَمَا تزْعم الْقَدَرِيَّة كَانَت الْحجَّة قد ظَهرت على نوح من قومه ولقالوا لَهُ إِن كَانَ الله هُوَ الَّذِي يُرِيد أَن يغوينا فَلم أرسلك إِلَيْنَا وَلم تدعونا إِلَى خلاف مُرَاد الله لنا
وَقَالَ شُعَيْب مُخَاطبا قومه قد افترينا على الله كذبا إِن عدنا فِي ملتكم بعد إِذْ نجانا الله مِنْهَا وَمَا يكون لنا أَن نعود فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاء الله رَبنَا وسع رَبنَا كل شَيْء علما
ثمَّ قَالَ شُعَيْب فِي مَوضِع آخر وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب
وَقَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي محاجته لِقَوْمِهِ وحاجه قومه قَالَ أتحاجوني فِي الله وَقد هدان وَلَا أَخَاف مَا تشركون بِهِ إِلَّا أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئا وسع رَبِّي كل شَيْء علما أَفلا تذكرُونَ
هَكَذَا يثبت الْقُرْآن الْكَرِيم أَن الْأَنْبِيَاء جَمِيعًا والأمم الْمَاضِيَة كَانُوا يثبتون لله الْمَشِيئَة ويقرون أَن مَشِيئَة العَبْد تَابِعَة لمشيئة الله تَعَالَى فَلَيْسَ لِلْخلقِ مَشِيئَة دون مَشِيئَة الله بل كَانَ إِبْلِيس اللعين يثبت لله تَعَالَى الْمَشِيئَة ويعترف أَنه تَعَالَى هُوَ الَّذِي اغواه وأضله حَيْثُ قَالَ {رب بِمَا أغويتني} فَلم يثبت الغواية لنَفسِهِ وَلَا لغيره من الْمَخْلُوقَات هَذَا كُله مَا يُؤمن بِهِ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة اتِّفَاقًا كَمَا وضحه ابْن بطة رَحمَه الله فِي هَذَا الْبَاب
قلت أثبت الله لنَفسِهِ الْمَشِيئَة الْمُطلقَة الْعَامَّة لجَمِيع الأكوان فِي غير آيَة من كتاب الله تَعَالَى وَأثبت لَهُ رَسُوله فِي سنته فِي أَحَادِيث كَثِيرَة من ذَلِك قَوْله تَعَالَى من يَشَأْ يضلله وَمن يَشَأْ يَجعله على صِرَاط مُسْتَقِيم

الصفحة 204