كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

ص: قال أبو جعفر: فهذا عبد الله بن زيد لم يذكر في حديثه الترجيع، فقد خالف أبا محذورة في الترجيع في الأذان، فاحتمل أن يكون الترجيع الذي حكاه أبو محذورة إنما كان لأن أبا محذورة لم يَمدّ بذلك صوته على ما أراد النبى - عليه السلام - منه، فقال له النبي - عليه السلام -: ارجعْ وامدُده صوتك، وهكذا اللفظ بهذا الحديث الذي ذكر فيه، فلما احتمل ذلك وجب النظر؛ لنستخرج من القولين قولًا صحيحًا، فرأينا ما سوى ما اختلفوا فيه من الشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله لا ترجيعَ فيه، فالنظر على ذلك أن يكون ما اختلفوا فيه من ذلك معطوفًا على ما أجمعوا عليه منه، ويكون إجماعهم أن لا ترجيع في سائر الأذان غير الشهادة يَقْضِي على اختلافهم في الترجيع في الشهادة، وهذا الذي وصفنا وما بيّناه من نفي الترجيع؛ قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله.
ش: لما لم يُذكَر الترجيع في حديث عبد الله بن زيد، خالف ذلك حديث أبي محذورة المذكور فيه الترجيع، والأصل في مثل هذا التوفيق بينهما، وأشار إلى التوفيق بقوله: "فاحتمل أن يكون ... " إلى آخره، وهو ظاهر.
وقوله: "وهكذا اللفظ بهذا الحديث الذي ذكر فيه" أراد أن لفظ الحديث الذي فيه الترجيع: "ارجع وامدُد صوتك" على ما رواه أبو داود، وقال: نا محمَّد بن بشار، نا أبو عاصم، نا ابن جريج، أخبرني ابن عبد الملك بن أبي محذور -يعني عبد العزيز- عن ابن محيريز، عن أبي محذورة، قال: "ألقي عليّ رسول الله - عليه السلام - التأذين هو بنفسه فقال: قل: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: ارجعْ فمُدْ من صَوْتك: أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله" انتهى.

الصفحة 26