كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

قلت: فيه مناقشة؛ لأن من الإطلاق تنشأ الاحتمالات، وقوله: "سواء ... " إلى آخره غير مُسَلَّم؛ لجواز أن يقول الصحابيّ بعد الرسول: "أمرنا بكذا" أو "نهينا عن كذا" ويكون الآمر أو الناهي أحد الخلفاء الراشدين.
والثالث: أن بعضهم ادعوا أن حديث أبي محذورة ناسخ لحديث أنسِ - رضي الله عنه - هذا، قالوا: وحديث بلال - رضي الله عنه - إنما كان أول ما شرع الأذان كما دلّ عليه حديث أنس، وحديث أبي محذورة كان عام حنين وبينهما مدّة مديدة، فإن قيل: شرط الناسخ أن يكون أصح سندًا وأقوى في جميع جهات الترجح، وحديث أبي محذورة لا يساوي حديث أنس من جهة واحدة فضلًا عن الجهات كلها.
قلت: لا نسلم أن من شرط الناسخ ذلك، بل يكفي فيه أن يكون صحيحًا متأخرًا معارضًا غير ممكن الجمع بينه وبين معارضه، فلو فرضناهما متساويين في الصحة، ووجد ما ذكر من الشرط لثبت النسخ، وأما أنه يشترط أن يكون أرجح من المعارض في الصحة فلا نُسَلِّم، نعم لو كان دونه في الصحة ففيه نظر.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عبد الله بن داود الخريبي، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرّة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: "أن عبد الله بن زيد رأى رجلًا نزل من السماء عليه ثوبان أخضران أو بردان أخضران فقام على جِذْم حائط، فأذن: الله أكبر الله أكبر، على ما ذكرنا في الباب الأول، "ثم قعد، ثم قام فأقام مثل ذلك، فأتى النبي - عليه السلام - فأخبره، فقال: نِعْمَ ما رأيتَ عَلِّمها بلالًا".
حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يحيى بن يحيى النيسابوريُّ، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثَنى أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم -: "بأن عبد الله بن زيد الأنصاريّ - رضي الله عنه - رأى في المنام الأذان، فأتى النبي - عليه السلام - فأخبره، فقال: علمه بلالًا، فأذن مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، وقعد قعدة".

الصفحة 37