كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

وأخرجه الدارمي في "سننه" (¬1): أنا أبو الوليد الطيالسي وحجاج بن المنهال، قالا: نا حماد، قال: نا همام، نا عامر الأحول- قال حجاج في حديثه: عامر بن عبد الواحد- قال: حدثني مكحول، أن ابن محيريز حدثه، أن أبا محذورة حدثه: "أن رسول الله - عليه السلام - علمه الأذان تسعة عشر كلمة، والإقامة سبعة عشر كلمة".
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فتصحيح معاني هذه الآثار يُوجبُ أن تكون الإقامة مثل الأذان سواءً، على ما ذكرنا؛ لأن بلالًا اختلف عنه فيما أُمِر به من ذلك، ثم ثبت هو من بعد على التثنية في الإقامة بتواتر الآثار في ذلك.
ش: أراد بها الآثار المروية عن أبي محذورة فإنها صريحة في أن الإقامة والأذان متساويان.
قوله: "لأن بلالًا اختلف عنه فيما أُمِرَ به من ذلك" أي: من أَمر الإقامة، فروي عنه أنه أُمِر بأن يوتر الإقامة، وروى أنه - عليه السلام - علّمه ما رآه عبد الله بن زيد في منامه، فأذن مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم بعد ذلك ثبت هو على تثنية الإقامة كما روى عنه الأسود النخعي وسُويد بن غفلة، على مَا مَرَّ مستقصىً.
قوله: "بتواتر الآثار" أي بتكاثر الأخبار والروايات فيها على ما ذكر.
ص: وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإن قومًا احتجوا في ذلك ممن يقول الإقامة تُفرَدُ مرةً مرةً بالحجة التي ذكرناها لهم في هذا الباب مما يكرر في الأذان ومما لا يكرر، فكانت الحجة عليهم في ذلك: أن الأذان كما ذكروا ما كان منه مما يذكر في موضعين مرّ ثُنِّي في الموضع الأول وأفْرِد في الموضع الآخر، وما كان منه غير مُثنى أفْرِد، وأما الإقامةُ فإنَّها تُفْعلُ بعد انقطاع الأذان، فلها حكم مستقِلٌّ، وقد رأينا ما تُختمُ به الإقامة من قول لا إله إلا الله هو ما يُختْمُ به الأذان من ذلك، فالنظر على ذلك: أن تكون بقية الإقامة على مثل بقية الأذان أيضًا، فكان مما يدخل على هذه الحجة: أنَّا رأينا ما تُخْتَمُ به الإقامةُ لا نِصْفَ له، فيجوز أن يكون المقصود إليه منه هو نصفه إلا
¬__________
(¬1) "سنن الدارمي" (1/ 292 رقم 1197).

الصفحة 49