كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

وأخرجه الترمذي (¬1) في أبواب تفسير القرآن وقال: ثنا محمَّد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي وسهل بن يوسف، قالوا: نا عوف بن أبي جميلة، قال: حدثني يزيد الفارسي، قال: حدثني ابن عباس قال: "قلت لعثمان بن عفان - رضي الله عنهم -: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؟ ووضعتموهما في السبع الطول، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان - رضي الله عنه -: كان رسول الله - عليه السلام - مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعى بعض من كان يكتبه، فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وإذا نزلت عليه الآية فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول الله - عليه السلام - ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} , فوضعتهما في السبع الطول".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث عوف، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس - رضي الله عنه -.
فهذا عثمان - رضي الله عنه - لو رأى البسملة من السور لكتبها بين الأنفال وبراءة، ولم تكن عنده من السور، وأنه كان إنما كان يكتبها في فصل السور بينها وبين غيرها.
فإن قيل: إذا لم تكن آية من أوائل السور، فينبغي أن لا يقال: إنها آية من القرآن بأخبار الآحاد.
قلت: ليس الأمر كذلك؛ لأنه ليس على النبي - عليه السلام - توقيف الأمة على مقاطع الآي ومقاديرها, ولم نتعبد بمعرفتها؛ فجاز إثباتها آية بأخبار الآحاد، وأما موضعها من
¬__________
(¬1) "جامع الترمذي" (5/ 272 رقم 3086).

الصفحة 585