كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" (¬1).
وقال الخطيب: عبد الله بن بريدة أشهر من أن يثنى عليه، وأبو سفيان السعدي وإن تُكُلِّم فيه ولكنه يعتبر منه ما تابعه عليه غيره من الثقات، وهو الذي سمى ابن عبد الله بن مغفل يزيد فحينئذٍ ترتفع الجهالة عن ابن عبد الله بن مغفل برواية هؤلاء الثلاثة الأجلاء عنه، وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالبسملة، وهو إن لم يكن من أقسام الصحيح فلا ينزل عنه درجة الحسن، وقد حسنه الترمذي، والحديث الحسن يحتج به لا سيما إذا تعددت شواهده وكثرت متابعاته، والذين تكلموا فيه وتركوا الاحتجاج به لجهالة ابن عبد الله بن المغفل احتجوا في هذه المسألة بما هو أضعف منه، بل احتج الخطيب بما يعلم أنه موضوع، ولم يحسن البيهقي في تضعيف هذا الحديث إذْ قال بعد أن رواه في كتاب "المعرفة" من حديث أبي نعامة: تفرد به أبو نعامة قيس بن عباية، وأبو نعامة وابن عبد الله بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا "الصحيح".
قلت: قوله: "تفرد به أبو نعامة" ليس بصحيح، فقد تابعه عبد الله بن بريدة وأبو سفيان السعدي، وقوله: وأبو نعامة وابن عبد الله بن مغفل لم يحتج بهما صاحب "الصحيح" ليس بلازم في صحة الإسناد، ولئن سلمنا فقد قلنا: إنه حسن والحسن يحتج به (¬2).
قوله: "وقل ما رأيت رجلًا" معناه: ورؤيتي قليلة جدًّا في الرجال مثله "أشد عليه الحدث في الإِسلام منه" فتكون "ما" مصدرية، يقال: قَلَّ رجل يفعل كذا إلا زَيْد، معناه ما يفعل إلا زيد، والأصل فيه أن تكتب "ما" متصلة بـ"قَلَّ" كما تكتب كذلك في طالما؛ لأنه لما اختلطت به معنى وتقديرًا اختلطت به خطأ وتصويرًا.
¬__________
(¬1) "مصنف ابن أبي شيبة" (1/ 359 رقم 4128).
(¬2) هذا وما قبله نص كلام الزيلعي في "نصب الراية" (1/ 260).

الصفحة 590