كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

وأخرجه أحمد في "مسنده" (¬1): نا إسماعيل، نا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك: "أن النبي - عليه السلام - وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين".
وهذا الحديث من أقوى الحجج لمنع الجهر بالبسملة.
فإن قيل: قد قال الترمذي: قال الشافعي: إنما متن هذا الحديث: "أن النبي - عليه السلام - وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين". معناه أنهم كانوا يبدءون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، وليس معناه أنهم كانوا لا يقرءون بسم الله الرحمن الرحيم.
قلت: قال الحافظ أبو بكر محمَّد بن عبد الله بن العربي: هذا تأويل لا يليق بالشافعي لعظيم فقهه، وأنس إنما قال هذا ردا على من يرى قراءة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وكذلك عبد الله بن مغفل كما مضى حديثه عن قريب، ورواية مالك، عن حميد الطويل، عن أنس صريحة في ترك قراءة البسملة حيث قال: فكلهم لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فهذا يمنع التأويل المذكور ويرده.
فإن قيل: أيها الحنفي إذا كانت هذه آية من القرآن عندك، أنزلت للفصل بين السور، كان الواجب أن يجهر بها كالجهر بالقراءة في الصلاة التي يجهر فيها بالقرآن، إذ ليس في الأصول الجهر ببعض القراءة دون بعض في ركعة واحدة.
قلت: إذا ثبت أنها لم تكن من الفاتحة، وإنما هي على وجه الابتداء بها تبركًا، جاز أن لا يجهر بها، ألا ترى أن قوله: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (¬2) الآية هو من القرآن، ومن استفتح به الصلاة لا يجهر به مع الجهر بسائر القراءة، كذلك البسملة حالها كحالة.
¬__________
(¬1) "مسند أحمد" (3/ 101 رقم 12010).
(¬2) سورة الأنعام، آية: [79].

الصفحة 593