كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

بدليل حديث الأعرابي (¬1): حيث لم يعلمه - عليه السلام - حين علمه الواجبات، غاية ما في الباب يكون إصابة لفظة السلام واجبة، والله أعلم.
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فلما تواترت هذه الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - بما ذكرنا، وكان في بعضها أنهم كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، فليس في ذلك دليل على أنهم كانوا لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قبلها؛ لأنه إنما عنى بالقراءة ها هنا قراءة القرآن، فاحتمل أنهم لم يعدوا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قرآنا، وعدوها ذكرًا مثل سبحانك اللهم وبحمدك وما يقال عند افتتاح الصلاة، فكان ما يقرأ من القرآن بعد ذلك ويستفتح بالحمد لله رب العالمين.
وفي بعضها: أنهم كانوا لا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ففي ذلك دليل أنهم كانوا يقولونها من غير طريق الجهر، ولولا ذلك لما كان لذكرهم نفي الجهر معنى؛ فثبت بتصحيح هذه الآثار ترك الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وذكرها سرًّا.
ش: أشار بهذه الآثار إلى الأحاديث والأخبار التي تدل على أن التسمية ليست من الفاتحة، وأنها لا يجهر بها في الصلاة، ولكن لما كان في ألفاظها اختلاف تعرض إلى بيان وجهه، وهو أن قوله على بعض ألفاظها: "كانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وهذه العبارة لا تدل على أنهم كانوا لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قبل قرأة فاتحة الكتاب؛ لأن المراد بالقراءة ها هنا هو قرأة القرآن، فيحتمل أنهم لم يكونوا عدُّوا البسملة قرآنا، وإنما عدوها ذكرا مثل الثناء والاستفتاح، فحينئذ يكون القرآن هو الذي يقرأ بعد ذلك، وفي بعضها أنهم كانوا لا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وهذا دليل على أنهم كانوا يقولونها سرًّا؛ إذْ لو لم يكن ذلك لخلا الكلام عن الفائدة، وهو ظاهر،
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (1/ 263 رقم 724)، ومسلم (1/ 298 رقم 397).

الصفحة 601