كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

فإذا كان الأمر كذلك وجب أن نقول: إن البسملة يؤتى بها ولكن يسرُّ بها عملًا بما ورد من الألفاظ، وتعلق مالك بظاهر العبارة الأول حيث قال: يشرع في القراءة عقيب التكبير، ولا يشتغل بشيء غير ذلك. وتعلقت الشافعية منهم الخطيب بقوله: "فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" وضعف ما سواه من العبارات، وهي سبعة ألفاظ رويت بطرق مختلفة عن أنس:
الأول (¬1): "كانوا لا يستفتحون القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".
والثاني: "فلم أسمع أحدًا يقول أو يقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".
الثالث: "فلم يكونوا يقرءون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".
الرابع: "فلم أسمع أحدًا منهم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".
الخامس: "فكانوا لا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".
السادس: "فكانوا يسرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".
السابع: "فكانوا يستفتحون القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".
وهذا هو الذي تعلق به الخطيب وصححه، وجعل اللفظ المحكم عن أنس، وجعل غيره متشابهًا، وحمله على الافتتاح بالسورة لا بالآية، وهو غير مخالف للألفاظ الباقية بوجه، فكيف يجعل مناقضًا لها فإن حقيقة هذا اللفظ الافتتاح بالآية من غير ذكر التسمية جهرًا وسرًا، فكيف يجوز العدول عنه بغير موجب ويؤكده قوله في رواية مسلم (1): "لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة ولا في آخرها"، لكنه محمول على نفي الجهر؛ لأن أنسًا - رضي الله عنه - إنما ينفي ما يمكنه العلم بانتقائه؛ فإنه إذا لم يسمع مع القرب، علم أنهم لم يجهروا، وأما كون الإِمام لم يقرأها أصلًا فهذا لا يمكن إدراكه إلا إذا لم يكن بين التكبير والقراءة سكوت يمكن القراءة فيه سرًّا, ولهذا استدل بحديث أنس هذا على عدم قراءتها أصلًا مَنْ لم ير ها هنا سكوتًا كمالك وغيره
¬__________
(¬1) تقدم.

الصفحة 602