كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

وتخطيئه هذا خطأ؛ لأن هذا روي بطريق صحيح عن أبي عاصم، ورواه عاصم بن بهدلة عن عكرمة أيضًا كما رواه عبد الملك بن أبي بشير عنه عن ابن عباس فما الموجب في تخطئة شيء صواب بلا دليل، لأجل تمشية الدعوى الفاسدة؟! ثم إن البيهقي أوَّل كلام ابن عباس هذا بتأويلين فاسدين:
الأول: قال: أراد به الجهر الشديد الذي يجاوز الحد.
والثاني: أراد أن الأعراب لا يخفى عليهم أن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} من القرآن، وأنه يجهر بها، فكيف العلماء وأهل الحَضَر؟!
أما الأول: فإن كان الجهر الشديد مكروهًا أو بدعة فأيْش وجه التخصيص بالبسملة؟ فهذا ترجيح بلا مرجح.
وأما الثاني: فلا نسلم أن الأعراب كانوا يعلمون أن البسملة من القرآن، فمن أين علموا ذلك مع غلبة الجهل عليهم على أن ابن عباس إنما قال ذلك القول على وجه الإنكار على من يجهر بها، وهذان التأويلان خلاف ما أراده ابن عباس، والله أعلم.
وقوله: "فهذا خلاف ما روينا عن ابن عباس ... " إلى آخره، إشارة إلى أن ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس -أنه جهر بها- الذي احتجت به أهل المقالة الأولى، وهو الذي أخرجه الطحاوي فيما مضى، عن فهد، عن ابن الأصبهاني، عن شريك، عن عاصم، عن سعيد به، معارض بهذه الرواية, فلا يتم بذاك الدليل، وقد مَرَّ الكلام فيه هناك مستوفى.
ص: حدثنا إبراهيم بن منقذ، قال: ثنا عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، أن سيّار بن عبد الرحمن الصدفي حدثه، عن عبد الرحمن الأعرج قال: "أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ".
حدثنا إبراهيم بن منقذ، قال: ثنا عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، مثله.

الصفحة 608