كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: سفيان الثوري وأبا حنيفة ومحمدًا وزفر بن الهزيل؛ فإنهم قالوا: لا يجوز أن يؤذن للفجر أيضًا إلا بعد دخول وقتها كما لا يجوز ذلك في غيرها من الصلوات إلا بعد دخول وقتها، وذهب بعض أصحاب الحديث إلى أن ذلك جائزًا إذا كان للمسجد مؤذنان كما كان لرسول الله - عليه السلام -، فأما إذا لم يكن فيه إلا واحد فإنه لا يجوز أن يفعله إلا بعد دخول الوقت، فيحتمل على هذا أنه لم يكن لمسجد رسُول الله - عليه السلام - في الوقت الذي نهى بلالًا حين أذن قبل طلوع الفجر، وأمره أن يعود فينادي: "أَلَا إِن العبد نام"؛ إلا مؤذن واحد وهو بلال، ثم أجازه حين أقام ابن أم مكتوم مؤذنا؛ لأن الحديث في تأذين بلال قبل طلوع الفجر ثابت كما ذكرناه.
ص: واحتجوا في ذلك فقالوا: إنما كان أذان بلال الذي كان يؤذن بليل لغير الصلاة، وذكروا ما.
حدثنا علي بن معبد وأبو بشر الرَّقيَّ، جميعًا قالا: ثنا شجاع بن الوليد -واللفظ لابن مَعْبدَ- (ح).
حدثنا محمَّد بن عمرو بن موسى، قال: حدثني أسباط بن محمَّد (ح).
وبما حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا نعيم، قال: ثنا ابن المبارك (ح).
وبما حدثنا فهد، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا زهير بن معاوية، ثم اجتمعوا جميعًا فقالوا: عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النَهْدي، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَمنعنَّ أَحدَكم أذان بلال من سَحوُره؛ فإنه ينادي -أو يؤذن- ليرجع غائبكم، ولينبه نائمكم، وقال: ليس الفجر -أو الصبح- هكذا وهكذا وجمع إصبعيه وفرقهما" وفي حديث زهير خاصةً: "ورفع زهير يده وخفضها حتى يقول هكذا ومدَّ زهيرٌ يدَيْه عرضًا".
فقد أخبر النبي - عليه السلام - أن ذلك النداء كان من بلال لينتبه النائم وليرجع الغائب لا للصلاة.

الصفحة 75