كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

وقوله: "وفرقهما"إلى هكذا الثاني.
ويستفاد منه أحكام:
الأول: أن فيه أن أذان بلال بالليل إنما كان لتنبيه النائم وإرجاع القائم، لا لأجل الصلاة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر هكذا وعَلله بقوله: "فإنه ينادي". وقال القاضي عياض في شرح مسلم: وقد تعلْق أصحاب أبي حنيفة بقوله: "ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم" وقالوا: إنما كان يؤذن للسحور لا للصلاة.
وهذا بعيد؛ إذْ لم يختص هذا بشهر رمضان، وإنما أخبر عن عادته في أذانه ولأنه العمل المنقول في سائر الحول بالمدينة، وإليه رجع أبو يوسف حين تحققه، ولأنه لو كان للسَحُور لم يختص بصورة أذان الصلاة. انتهى.
قلت: الذي قاله القاضي بعيد؛ لأنهم لم يقولوا بأنه يختص بشهر رمضان، والصوم غير مخصوص برمضان، وكما أن الصائم في رمضان يحتاج إلى الإيقاظ لأجل السحور، فكذلك الصائم في غير رمضان، بل هذا أشد؛ لأن من يُحيي ليالي رمضان أكثر ممن يُحيي ليالي غيره، فعل ما قال إذا كان أذان بلال للصلاة ينبغي أن يجوز أداء صلاة الفجر بذلك الأذان، بل الخصم أيضًا يقول بعدم جوازه، فَعُلِم أن أذان بلال إنما كان لأجل إيقاظ النائم ولإرجاع القائم، فلا يجوز الأذان للصلاة قبل دخول وقتها سواء كان في الفجر أو غيره، فافهم.
الثانى: أن فيه حجةً على الاقتداء بثقات المؤذنين وتقليدهم في الوقت والعمل بخبر الواحد في العبادات.
الثالث: أن في قوله: "فإن بلالًا يُنادي" وفي رواية غيره "ينادي بليل" دليل على أن ما بعد الفجر ليس من الليل.
قال القاضي: وقد يتعلّق بهذه الألفاظ مَن يَرى رأي بعض متقدمي الصحابة في أن تَبَيّين الخيط بعد الفجر ويحتج به مَنْ يَرى إباحة الأكل حتى يتيقن طلوع الفجر،

الصفحة 79