كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

أن ضعف حديث حماد بن سلمة لمخالفة معنى حديث الزهري، عن سالم، عن ابن عمر لا لكون وجود ضعيف أو مُتّهم في رَواته، وهذا الذي ذكره ليس بقادح لصحة الحديث، ومثل هذا واقع جدًّا بين الأحاديث، فيؤدي هذا الكلام إلى تضعيف أكثر الأحاديث "الصحيحة" بل الصواب أن حديث حماد صحيح وليس هو بمخالف لحديث سالم؛ لأن حديث سالم قد قلنا: لأجل إيقاظ النائم، وإرجاع القائم، ولم يكن لأجل الصلاة، فلذلك لم يأمره - عليه السلام - بأن يرجع ويُنادي: "ألا إن العبدَ نام".
وأما حديث نافع، عن ابن عمر الذي رواه حماد بن سلمة، عن أيوب، عنه، كان لأجل الصلاة، ولم يقع محله، فلذلك أمره بأن يَعوُد ويُنادي: "ألا إن العبد نام".
ومما يُقوي صحة حديث حماد بن سلمة: ما رواه سعيد بن أبي عَرَوبة، عن قتادة، عن أنس - رضي الله عنه -: "أن بلالًا أذن قبل الفجر، فأمره النبي - عليه السلام - أن يَصْعد فينادي: إن العبدَ نام".
رواه الدارقطني (¬1) وقال: تفرّد به أبو يوسف، عن سَعيد، وغيرُه يُرْسله، ثم أخرج من طريق عبد الوهاب -يعني الخفاف- عن سعيد، عن قتادة: "أن بلالًا أذن ... " ولم يذكر أنَسًا، ثم قال الدارقطني: والمَرسل أصح.
قلت: أبو يوسف وثقه ابن حبان وغيره، وكذلك وثقه البيهقي في باب المستحاضة يغسل عنها أثر الدم، وقد زاد الرفع، فوجب قبول زيادته (¬2)، ومما يقوّي حديث حماد أيضًا حديث حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما - على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
ص: وروي عن ابن عمر أيضًا، عن حفصة بنت عمر - رضي الله عنهم - ما قد حدثنا يونس، قال: ثنا على بن معبد، قال: ثنا عبيد الله بن عَمرو، عن عبد الكريم
¬__________
(¬1) "سنن الدارقطني" (1/ 245 رقم 53).
(¬2) في اعتبار العلة في الأحاديث المختلف في رفعها ووقفها، أو إرسالها ووصلها خلاف كبير معروف بين المحدثين والفقهاء. وفي اعتبار زيادة الوصل زيادة ثقة وهي مقبولة نظر ليس هذا محله.

الصفحة 83