كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

الجزريّ، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة بنت عَمر: "أن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أذن المؤذن بالفجر قام فصلى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى المسجد وحرّم الطعام، وكان لا يؤذن حتى يصبح".
فهذا ابن عمر يُخبر عن حفصة، أنهم كانوا لا يؤذِّنون للصلاة إلا بعد طلوع الفجر، وأَمْرُ النبي - عليه السلام - "أيضًا بلالًا أن يَرْجع فينادي: "ألا إن العبد نام" يدل على أن عادتهم أنهم كانوا لا يَعْرفون أذانًا قبل الفجر، ولو كانوا يعرفون ذلك إذا لما احتاجوا إلى هذا النداء، وأراد به عندنا -والله أعلم بذلك- النداء، إنما هو ليعلمهم أنه في ليل بَعدُ، حتى يُصلّي من آثر منهم أن يُصلّي ولا يُمْسِك عما يُمْسِكُ الصائم عنه.
ش: أشار بهذا إلى تأييد ما قاله من أن إنكاره - عليه السلام - على بلال في الحديث الماضي، لكونه قد فعله قبل طلوع الفجر لأجل الصلاة، ألا ترى أن ابن عمر يُخبر عن حفصة كانوا لا يؤذنون لأجل الصلاة إلا بعد طلوع الفجر؟ وأنهم كانوا لا يعرفون أذانًا قبل الفجر لأجل الصلاة؛ إذ لو عرفوا لما احتاجوا إلى النداء في حديث بلال، ويكون أمْرُ النبي - عليه السلام - بلالًا أن يَرجعَ فيُنادي، لأجل أن يُعلمهم أنه في الليل بَعْدُ، وأن الفجر لم يطلع، حتى إن مَن أراد أن يُصلي يصلي، ومن أراد أن يفعل شيئًا مما هو محرّم على الصائم، يَفْعَل ولا يعْدِل عنه.
وإسنادُ حديث حفصة صحيح.
وأخرجه البيهقي (¬1): من حديث عبد الكريم الجزري، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما - "أن رسُول الله - عليه السلام - ... " إلى آخره نحوه سواء.
ثم قال البيهقي: هذا محمول- إن صح- على الأذان الثاني.
وقال الأثرم: رواه الناس عن نافع فلم يذكروا فيه ما ذكره عبد الكريم.
¬__________
(¬1) "السنن الكبرى" (2/ 471 رقم 4258).

الصفحة 84