كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

أن ذلك موضع أذان لتلك الصلاة، ولو لم يكن ذلك موضع أذان لها لما أُبيحَ الأذانُ فيها، فلما أبيح ذلك؛ ثبت أن ذلك الوقت وقتُ الأذان لها، واحتمل تَقديمُهم أذانَ بلالٍ قبل ذلك ما ذكرنا.
ش: هذا الكلام أيضًا يَنْصَبُّ على قوله: "وقد يحتمل أن يكون بلال قد كان يؤذن في وقت يرى أن الفجر قد طلع فيه" تقريره: أن الأسود بن يزيد لما سأل عائشة - رضي الله عنها - عن وقت إيتارها قالت: إذا أذن المؤذن، وأخبر الأسود: أنهم كانوا يؤذنون بعد الصبح، وهكذا كان تأذينهم في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن سماع الأسود من عائشة - رضي الله عنها - كان بالمدينة، وعائشة قد سمعت (من) (¬1) النبي - عليه السلام - يقول: "إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم" ومع هذا لم تنكر عائشة عليهم التأذين قبل الفجر، ولا أنكر غيرها أيضًا من الصحابة - رضي الله عنهم -؛ فدلّ ذلك أن مراد بلال من أذانه ذلك الذي وقع قبل الفجر هو الفجر، فإذا كان مراده هو الفجر؛ لم يصح الاستدلال بحديثه على جواز الأذان قبل الفجر؛ لأن بلالًا ما قصد أن يؤذن قبل الفحر؛ وإنما كان قصده الفجر، ولكن وقع قبل الفجر لسوء ببصره كما ذكرنا.
وأما قول النبي - عليه السلام - "فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم" فإنما هو لإصابته طلوع الفجر بإخبار الناس له بقولهم: "أصبحت، أصبحت". بخلاف بلال لخطئه فيه كما ذكرناه.
قوله: "فلما رويت هله الآثار" أي الأحاديث التي ذكرت في هذا الباب على ما ذكره، وكان في حديث حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما - "أنهم كانوا لا يؤذنون حتى يطلع الفجر" بطل المعنى الذي ذكره أبو يوسف في تجويزه الأذان قبل طلوع الفجر؛ استدلالًا بحديث بلال الذي مضى ذكره بطرق مختلفة.
¬__________
(¬1) كذا "بالأصل، ك"، ولعلها زائدة على السياق.

الصفحة 89