كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

وجه بطلان استدلاله: أنه لا يخلوا إما أن يقول: المراد من أذان بلال أنه كان صلاة، فإذا كان للصلاة، يجوز الاستدلال به على جواز تقديم الأذان قبل الوقت في الفجر.
فنقول: وإن سلمنا ذلك، ولكن لن نُسلم أنه كان مصيبًا في قصده، ألا ترى كيف ردّه - عليه السلام - بقوله: "لا يغرنكم أذان بلال؛ فإن في بصره شيئًا".
وإما أن يقول: إنه كان يؤذن قبل الفجر عمدًا. فنقول: وإن سلمنا أنه كان يؤذن عمدًا قبل الفجر، ولكن لا نسلم إنه كان لأجل الصلاة، بل كان لإيقاظ النائم وإرجاع القائم، بدليل حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - حيث قال: "فإنه ينادي ليُوقظ نائمكم، ويرجع قائمكم".
قوله: "فلما كان ذلك" عطف على "لمَّا" الأولى، وهو قوله: "لما رويت هذه الآثار" وقوله: "فقد بطل المعنى" جواب "لمّا" في الموضعين، وفي بعض النسخ "فإن كان كذلك" موضع "فلما كان كذلك" فعلى هذه النسخة تكون الجملة خبر "فلمّا رويت" فافهم.
ورجال حديث الأسود ثقات، وأبو إسحاق اسمه عَمرو بن عبد الله السبَيِعي.
وأخرجه البيهقي (¬1): من حديث الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأسود: "سألتُ عائشةَ متى توترين؟ قالت: بين الأذان والإقامة، وما يؤذنون حتى يُصْبحوا" ثم قال البيهقي: وقول الأسود وغيره: "وما يؤذنون حتى يُصْبحوا" فيه نظر؛ فقد روينا أن الأذان الأول كان بالحجاز قبل الصبح، وكأنَّ عائشة - رضي الله عنها - كانت تصليها قبل طلوع الفجر، أو أراد به الأذان الثاني. وعلى ذلك تدل رواية ابن أبي خالد، عن أبي إسحاق قال: "كانت عائشة - رضي الله عنها - توتر فيما بين التثويب والإقامة" فيرجع مذهبها في ذلك كقول عليّ وعبد الله.
قلت: مذهب علي وابن عباس - رضي الله عنهم -: أن وقت الوتر يمتدّ إلى بعد طلوع الفجر.
¬__________
(¬1) "سنن البيهقي الكبرى" (2/ 480 رقم 4308).

الصفحة 90