كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 3)

وروى البيهقي (¬1) بإسناده عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضَمْرة: "أن قومًا أتوا عليًّا - رضي الله عنه -، فسألوه عن الوتر. فقال: سألتم عنه أحدًا؟ فقالوا: سألنا أبا موسى، فقال: لا وِتْر بعدَ الأذان. فقال: لقد أَغْرَقَ النزع فأَفْرَط في الفَتْوى، كل شيء ما بينك وبين صلاة الغداة وتر، متى أوترت فحسن".
وقال مالك في "موطإه" (¬2): بلغني أن عبد الله بن عباس، وعبادة بن الصامت، والقاسم بن محمَّد، وعبد الله بن عامر بن ربيعة قد أوتروا بعد الفجر.
ثم قال (¬3): وإنما يُوتِرُ بعد الفجر من نام عن الوتر، ولا ينبغي لأحد أن يتعمد ذلك حتى يضع وتره بعد الفجر.
وقال القاضي عياض: وَقت الوتر المتفق عليه عند كافة العلماء ما لم يطلع الفجر، واختلفوا؛ هل يصلي بعد طلوع الفجر إلى أن يُصلي الصبحُ؟ وهل ذاك وقت ضرورة لمن تركها، أو نام عنها، أو نِسيها؟ فذهب جمهورُهم -وهو مشهور قول مالك والشافعي- جواز ذلك مع كراهة تعمده، وأنه وقت ضرورة لها -وحُكيَ عن ابن مسعود وغيره أن وقتها ما بين العشاء إلى صلاة الصبح- وذهب الكوفيون إلى منع صلاته بعد طلوع الفجر، وقاله جماعة من السلف، وأبو مُصْعب وبعض أصحابنا، وحكاه الخطابي عن مالك، وسيجئ الكلام فيه مستقصًى في باب الوتر إن شاء الله تعالى.
ص: ثم اعتبرنا ذلك من طريق النظر؟ لنَسْتَخرجَ من ذلك القولين قولًا صحيحًا، فرأينا سائر الصلوات غير الفجر لا يؤذن لها إلا بعد دخول أوقاتها، واختلفوا في الفجر، فقال قومٌ: التأذين لها قبل الفجر، لا يؤذن لها بعد دخول وقتها.
¬__________
(¬1) "سنن البيهقي الكبرى" (2/ 479 رقم 4305).
(¬2) "موطأ مالك" (1/ 126 رقم 278).
(¬3) "موطأ مالك" (1/ 127 رقم 282).

الصفحة 91