كتاب مصابيح الجامع (اسم الجزء: 3)

فَعَقَلْنَاها، وَهبَّت رِيحٌ شَدِيدَةُ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَأَلْقَتْهُ بجَبَلِ طَيِّئٍ، وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ برْداً، وَكتَبَ لَهُ ببَحرِهِمْ. فَلَمَّا أتى وَادِيَ الْقُرَى، قَالَ لِلْمَرْأَةِ: "كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ؟ "، قَالَتْ: عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي مُتَعَجِّل إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتعَجَّلَ مَعِي، فَلْيتعَجَّلْ". فَلَمَّا - قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كلِمَةً مَعنَاها - أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: "هذهِ طَابَةُ". فَلَمَّا رَأَى أُحُداً، قَالَ: "هذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، أَلاَ أخبرُكُم بخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ؟ "، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "دُورُ بَنِي النَجَّارِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهلِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ، أَوْ دُورُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرجِ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ - يَعْنِي - خَيْراً".
(وخرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرةَ أوسق): مذهب مالك والشافعي وعامة أهل العلم: أن التمر التي يجب فيها العُشْر تُخرص وهي رُطَبٌ تمراً، فيعلم مقدارها، فتسلم إلى ربها (¬1)، ويكون عليه مثل حق الله تعالى (¬2) فيها تمراً، وخالف في ذلك أبو حنيفة وأصحابه مستشكلين ما يؤدي إليه المذهب الأول من بيع الرطب (¬3) بمثله تمراً نسيئةً، وهو منهيّ عنه.
قال ابن المنير: وينفصل عن ذلك بأن الزكاة في الثمار تتعلق (¬4) بالذمة، والمقصود بالخرص تعريف (¬5) القدر الذي يتعلق بالذمة، ولا يرد
¬__________
(¬1) "فتسلم إلى ربها" ليست في "ن".
(¬2) في "ن": "حق الله فيها تمراً".
(¬3) "الرطب" ليست في "ج".
(¬4) في "ج": "متعلق".
(¬5) في "ن": "تعرف".

الصفحة 446