كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد (اسم الجزء: 3)

جواد لا يبخل، حليم لا يعجل، حفيظ لا ينسى، يقظان لا يسهو، رقيب لا يغفل، يتكلم ويتحرك، ويسمع ويبصر وينظر، ويقبض ويبسط، ويفرح، ويحب ويكره ويبغض ويرضى، ويسخط ويغضب، ويرحم ويعفو ويغفر، ويعطي ويمنع، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء وكما شاء، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، وقلوب العباد بين [أصبعين من] أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ويوعيها ما أراد. وخلق آدم بيده على صورته، والسماوات والأرضون يوم القيامة في كفه وقبضته، ويضع قدمه في جهنم فتزوى، ويخرج قوم من النار بيده، وينظر أهل الجنة إلى وجهه يزورونه فيكرمهم، ويتجلى لهم فيعطيهم، ويُعرض عليه العباد يوم الفصل والدين فيتولى حسابهم بنفسه لا يولي ذلك غيره، عز ربنا وجل وهو على ما يشاء قدير.
والقرآن كلام اللَّه تكلم به ليس بمخلوق، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام اللَّه ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أكفر من الأول وأخبث قولًا، ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام اللَّه فهو جهمي خبيث مبتدع.
ومن لم يكفر هؤلاء القوم ولا الجهمية كلهم فهو مثلهم، وكلم اللَّه موسى وناوله التوراة من يده إلى يده (¬1)، ولم يزل اللَّه متكلمًا عالمًا فتبارك اللَّه أحسن الخالقين.
والرؤيا من اللَّه وهي حق إذا رأى صاحبها شيئًا في منامه مما ليس
¬__________
(¬1) قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 12/ 533: وأما قوله: (ناولها بيده إلى يده) فهذا مأثور عن طائفة من التابعين، وهو هكذا عند أهل الكتاب، لكن لا أعلم غير هذا اللفظ مأثورًا عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فالمتكلم به إن أراد ما يخالف ذلك فقد أخطأ، واللَّه أعلم.

الصفحة 15