كتاب تحرير الفتاوى (اسم الجزء: 3)

باب ما تجب به الدّية من الجنايات
4806 - قول "التنبيه" [ص 220]: (إذا أصاب رجلاً بما يجوز أن يقتل فمات منه .. وجبت الدية) قيل: إنه يشمل العمد المحض، قال في "الكفاية": وهو تفريع على اختياره أن موجب العمد أحد الأمرين.
قال في "التوشيح": يبعد أن يقال: العمد المحض يجوز أن يقتل، وإنما أراد بهذه اللفظة: ما لا قصاص فيه، وله عقد الباب.
4807 - قول "المنهاج" [ص 489]: (صاح على صبي لا يُميِّز على طرف سطحٍ فوقع بذلك فمات .. فديةٌ مغلظة على العاقلة، وفي قول: قصاص) فيه أمور:
أحدها: تقييد الصبي بكونه غير مميز يقتضي أن المميز ليس كذلك، لكن قوله بعد ذلك: (ومراهق متيقظ كبالغ) (¬1) يقتضي أن غير المراهق ليس كالبالغ ولو كان مميزاً؛ ولذلك أطلق "التنبيه" الصبي، و"الحاوي" الطفل (¬2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يعتبر الشافعي ولا أحد من أصحابه عدم التمييز في ذلك، وأفصح في "النهاية" عن المقصود، فقال: وما ذكره الأصحاب في صبي لا يميز إن كان ضعيف التمييز بحيث يبعد منه أن يتماسك، فإن كان مراهقا .. فهو في معنى الكبير. انتهى (¬3).
فدل على أن من نفى التمييز أراد به: التمييز الكامل الذي يحصل مع البلوغ أو المراهقة، لا أصل التمييز، والله أعلم.
ثانيها: قوله: (على طرف سطح) تبع فيه الرافعي (¬4)، ومقتضاه: أنه لو كان في وسطه .. فهو كالأرض، وعبر "التنبيه" بقوله [ص 220]: (فوقع من سطح) فلم يقيد بطرفه، وقد يقال: الفاء في قوله: (فوقع) يدل على أنه كان في طرفه؛ لتعقيب الوقوع منه للصياح.
ثالثها: لا يتقيد ذلك بالسطح، بل لو كان على بئر أو نهر .. كان كذلك كما ذكره في "أصل الروضة" (¬5) ولذلك قال "الحاوي" [ص 550]: (فسقط من علو).
رابعها: اقتصر "التنبيه" و"المنهاج" على سقوطه (¬6)، وفي "الحاوي" [ص 550]: (ارتعد
¬__________
(¬1) المنهاج (ص 489).
(¬2) التنبيه (ص 220)، الحاوي (ص 550).
(¬3) نهاية المطلب (16/ 447).
(¬4) انظر "المحرر" (ص 409)، و "فتح العزيز" (10/ 415).
(¬5) الروضة (9/ 313).
(¬6) التنبيه (ص 220)، المنهاج (ص 489).

الصفحة 103