مسبعة فأكله السبع .. ضمنه بالدية عند جماعة، فدل على أن الاعتبار بالقوة والضعف لا بالصبي والبلوغ، إلا من جهة أن الصبي مظنة الضعف، فإذا وجد الضعف في البالغ - ومنه أن يقيّد - .. اتجه الخلاف. انتهى.
وقال في "المهمات": جزم في "المهذب" بأنه إذا ألقى حراً مشدوداً في مسبعة فقتله السبع .. أنه عمد، وهذا عين ما بحثه الرافعي، بل هو أبلغ؛ لجعله عمداً، فلا معنى لنفي الخلاف. انتهى (¬1).
فإن قلت: إذا كان تقييد "المنهاج" لأجل محل الخلاف .. فلم قيد "الحاوي" مع كونه لا يحكي الخلاف، فقال [ص 550]: (لا إن وضعه - أي: الطفل - في مسبعة فافتُرِس)؟
قلت؛ لأنه محل الخلاف وإن لم يحكه، ويؤخذ البالغ منه من باب أولى، ويحتمل عود الضمير في كلامه على المجني عليه بأي صفة كان.
ثانيها: تناول تعبيرهما ما لو ألقاه في زبية السبع وهو فيها، والحكم في تلك وجوب القصاص أو الدية عند امتناعه، وقد ذكره "التنبيه" فقال [ص 220]: (وإن ألقاه على أفعى، أو ألقاها عليه، أو على أسد، أو ألقاه عليه فقتله .. وجبت ديته) لكن الأصح: عدم وجوب الدية في مسألة الأفعى إلا إن أنهشها إياه؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 555]: (وإنهاش حية تقتل غالباً، وجمعه بسبُع في ضيِّقٍ) ولا بد من تقييد عبارة "التنبيه" بأن يكون في مضيق كما قال "الحاوي".
ثالثها: صحح شيخنا الإمام البلقيني فيما إذا لم يمكنه التخلص: وجوب الدية، وقال: إنه المعتمد في الفتوى، وحكاه عن "المهذب" و"الحاوي" في أحد جوابيه و"الوسيط" (¬2).
رابعها: محل عدم الضمان أيضاً: في الحر، فلو كان عبداً .. ضمنه باليد إن استمرت إلى الافتراس بالتكتيف ونحوه.
خامسها: كان ينبغي أن يقول: (وقيل: إن لم يمكنه تَخَلُّصٌ ... ) فقد يمكنه الانتقال ولا يمكنه التخلص مما أوقعه فيه.
4813 - قول "التنبيه" [ص 220]: (وإن طلب بصيراً بالسيف فوقع في بئر .. لم يضمن، ولو طلب ضريراً فوقع في بئر .. ضمن) محله في البصير: مع العلم بها؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 489]: (فلو وقع جاهلاً لعمىً وظلمةٍ .. ضمن) وفي الضرير: مع الجهل بها، فلو علم بها .. لم يضمن، كما صرح به غير واحد، وعبر عنه النووي والإسنوي في "تصحيحيهما" بالصواب (¬3)،
¬__________
(¬1) المهذب (2/ 192)، وانظر "فتح العزيز" (10/ 419).
(¬2) المهذب (2/ 176)، الحاوي الكبير (12/ 43)، الوسيط (6/ 356، 357).
(¬3) تصحيح التنبيه (2/ 170)، تذكرة النبيه (3/ 417).