كتاب تحرير الفتاوى (اسم الجزء: 3)

4831 - قول "التنبيه" [ص 221]: (فإن حفر بئراً ووضع آخر حجراً فعثر إنسان بالحجر ووقع في البئر فمات .. وجب الضمان على واضع الحجر) و"الحاوي" [ص 551]: (وأول الشرطين؛ كحفرٍ ونصب نصلٍ فيه) محله: ما إذا كان الأول - أي: في الإتلاف - متعدياً كما صرح به "المنهاج"، قال [ص 490]: (فإن لم يتعد الواضع .. فالمنقول: تضمين الحافر) قال الرافعي: وينبغي أن يقال: لا يتعلق بالحافر والناصب كما سنذكره فيما لو حفر بئراً عدواناً وحصل حجر على طرف البئر بحمل السيل أو بوضع حربي أو سبع فعثر رجل بالحجر ووقع في البئر فهلك .. فلا ضمان على أحد، قال: ويدل عليه أن المتولي قال: لو حفر بئراً في ملكه ونصب غيره فيها حديدة فوقع رجل في البئر فجرحته الحديدة ومات .. فلا ضمان على واحد منهما. انتهى (¬1). فكيف يقال: المنقول: كذا، وهذا نقل آخر يخالفه؟ !
وقد عبر في "الروضة" وأصلها بالمنقول مع ذكرهما كلام المتولي هذا (¬2)، فكأنهما أرادا: المنقول المشهور، وفرق شيخنا الإمام البلقيني بين مسألتنا ومسألة السيل: بأن الأول فعل ممن يقبل الضمان، فإذا سقط عنه لعدم تعديه .. لم يسقط عن المتعدي، بخلاف السيل ونحوه؛ فإنه ليس متهيّأ للضمان أصلاً، فسقط الضمان بالكلية، ثم خالف ما ذكره الرافعي في مسألة السيل، وإن ذكره القاضي حسين وغيره، وصحح: أنه يضمن حافر البئر وفاقاً لما جزم به الماوردي فيما إذا برزت بقلة من الأرض فعثر بها مار وسقط على الحديدة المنصوبة بغير حق فمات .. أن ضمانه على واضع الحديدة (¬3)، قال شيخنا: وهو القوي الجاري على القواعد. انتهى.
وادعى شيخنا ابن النقيب أن قول "المنهاج" [ص 490]: (عدواناً) يعود إلى وضع الحجر فقط؛ فإن الحافر لا شيء عليه سواء حفر متعدياً أم في ملكه، ثم قال في قوله: (فالمنقول: تضمين الحافر) أي: إذا كان متعدياً (¬4)، فصرف الدلالة الظاهرة عن مدلولها، ثم احتاج بعد ذلك إلى تقديرها، فالصواب: عوده إليهما كما هو قاعدة الشافعي رضي الله عنه ويدل لذلك أنه في "الروضة" وأصلها في تصوير هذه المسألة صورها بأن يكون حفر البئر عدواناً (¬5)، والله أعلم.
4832 - قول "المنهاج" [ص 490]: (ولو وضع حجراً وآخران حجراً فعثر بهما .. فالضمان أثلاث، وقيل: نصفان) رجح شيخنا الإمام البلقيني: الثاني؛ لأن التعثر بالحجرين، فالتوزيع عليهما؛ لأنهما اللذان لاقيا البدن، وليس هذا كالجراحات التي لها نكاية في الباطن، بل
¬__________
(¬1) انظر "فتح العزيز" (10/ 431، 432).
(¬2) فتح العزيز (10/ 431)، الروضة (9/ 325).
(¬3) انظر "الحاوي الكبير" (12/ 372).
(¬4) انظر "السراج على نكت المنهاج" (7/ 258).
(¬5) فتح العزيز (10/ 432)، الروضة (9/ 324).

الصفحة 115