كتاب تحرير الفتاوى (اسم الجزء: 3)

وهذه الأمور الأربعة إن صحت .. وردت على " الحاوي " أيضًا، ويختص " التنبيه " و" الحاوي " بأن قولهما: (إبل بلد) يخرج عنه من ليس من أهل البلاد، وهو البدوي، فالعبرة بقبيلته؛ ولهذا قال " المنهاج " [ص 483]: (أو قبيلة بدوي) فلو لم يكن في بلده ولا لقبيلته إبل .. وجب من غالب إبل أقرب البلاد إليه، وقد صرح به " المنهاج " و" الحاوي " (¬1).
ومحله: فيما إذا قربت المسافة ولم تعظم مؤنة النقل، فإن بعدت وعظمت المؤنة والمشقة .. لم يلزمه، وسقطت المطالبة بالإبل، كما جزم به في " الروضة " وأصلها، قال: وأشار بعضهم إلى ضبط البعيد بمسافة القصر، وقال الإمام: لو زادت مؤنة إحضارها على قيمتها في موضع العزة .. لم يلزمه تحصيلها، وإلا .. فيلزم (¬2).
وقال شيخنا الإمام البلقيني: إجراء هذا الكلام على ظاهره متعذر، وتأويله: أنه إذا زادت بمؤنة إحضارها على قيمتها في موضع العزة .. فلا بد من إدخال الباء على مؤنة؛ ليستقيم المعنى.
واعلم: أن المذكور هنا قد يظن مخالفته؛ لقولهم في العاقلة إن على غني نصف دينار، ومتوسط ربع دينار كل سنة من الثلاث وليس كذلك، وقد قال الرافعي والنووي هناك: يشبه أن يكون المرعي في إيجاب الربع والنصف مقدارهما، لا أنه يجب على العاقلة بذل الدنانير بأعيانها؛ لأن الإبل هي التي تجب في الدية، وما يؤخذ يصرف إلى الإبل، وللمستحق ألا يقبل غيرها. انتهى (¬3).
4724 - قول " المنهاج " [ص 483]: (ولا يعدل إلى نوع وقيمة إلا بتراضٍ) و" التنبيه " [ص 223]: (فإن تراضيا على أخذ العوض عن الإبل .. جاز) فيه أمران:
أحدهما: قال في " البيان ": كذا أطلقوه، وليكن مبنيًا على جواز الصلح عنها، حكاه عنه في " الروضة " وأصلها من غير اعتراض عليه (¬4)، وجزم به الرافعي قبل ذلك بأربعة أوراق (¬5)، ومقتضاه: تصحيح المنع؛ فإن الأصح: منع الصلح عن إبل الدية إذا لم توجب الجناية قصاصًا، وحمل ذلك في " المطلب " على حالة العلم بصفاتها مع العلم بأسنانها ومقاديرها؛ فإن الغزالي قال في الصلح في هذه الحالة بالصحة جزمًا، وإن حكى الخلاف في حالة الجهل بالصفة.
ورده شيخنا الإمام البلقيني: بأن العلم بصفاتها جاء من قضية الواقع المعين، والواقع المعين لم يقع أخذ القيمة عنه؛ لأن ذلك يستدعي أن يملكه مستحق الإبل، ثم يأخذ عنه القيمة حيث يجوز
¬__________
(¬1) الحاوي (ص 556)، المنهاج (ص 483).
(¬2) فتح العزيز (10/ 322)، الروضة (9/ 260)، وانظر " نهاية المطلب " (16/ 321).
(¬3) انظر " فتح العزيز " (10/ 479)، و" الروضة " (9/ 356، 357).
(¬4) البيان (11/ 489)، فتح العزيز (10/ 323)، الروضة (9/ 261).
(¬5) انظر " فتح العزيز " (10/ 320).

الصفحة 72