كتاب تحرير الفتاوى (اسم الجزء: 3)

أحدهما: أن لا يكون السيد أنظره بذلك، فمتى أنظره به إلى غير أجل أو إلى أجل ولم يمض .. فليس له الفسخ (¬1)، وحكاه عن نص "الأم" (¬2)، قال: وليس لنا موضع يكون الإنظار فيه مؤثرًا أثرًا لازمًا غير هذا.
ثانيهما: أن لا يكون سافر بإذنه، فمتى سافر بإذنه .. فليس له الفسخ، وطريقه الرفع إلى القاضي، وإثبات ذلك لديه، وكتابته لقاضي بلد العبد، وحكاه عن الشيخ أبي حامد وأتباعه، ولم يذكر الرافعي والنووي ذلك فيما إذا سافر قبل الحلول، وإنما ذكراه فيما إذا سافر بعد الحلول، وجمعا بين الإذن والإنظار، واقتضى كلامهما: أنه لابد من اجتماعهما، وعبارة "أصل الروضة": ولو أنظر المكاتب بعد حلول النجم وأذن له في السفر ثم بدا له في الإنظار .. لم يكن له الفسخ في الحال؛ لأن المكاتب غير مقصر هنا، ولكن يرفع السيد الأمر إلى الحاكم، ويقيم البينة على الحلول والغيبة، ويحلف مع ذلك، ويذكر أنه رجع عن الإنظار، فيكتب الحاكم إلى حاكم بلد المكاتب ليعرفه الحال، فإن أظهر العجز .. كتب به إلى حاكم بلد السيد؛ ليفسخ إن شاء، وإن قال: أؤدي وللسيد هناك وكيل .. أعطاه، فإن لم يعط .. ثبت الفسخ على المشهور، وإن لم يكن ثَمَّ وكيل .. أمر بإيصاله إليه في الحال أو مع أول رفقة، فإذا مضى إمكان .. فللسيد الفسخ (¬3).
وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 706]: (لا إن غاب بعد المحل بإذنه حتى يخبر بندمه وقصَّر في الإياب)، واعترض ذلك شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: الإنظار لا يتوقف على حلول النجم، بل لو أنظره قبل حلوله .. كان الحكم فيه وفيما بعد الحلول سواء كما سبق في نص الشافعي، ولا يحتاج مع ذلك إلى الإذن في السفر، قال: وعبارة الشافعي: (فإن جاء إلى ذلك الأجل، وإلا .. عجزه حاكم بلده) (¬4)، وظاهره عندي أن الذي يعجزه حاكم بلد المكاتب، وتقدم عن "الروضة" أنه حاكم بلد السيد، قال شيخنا: وهذا عندي لا يستقيم؛ لأنه يحتاج حاكم بلد المكاتب بعد مضي المدة المضروبة أن يكتب إلى حاكم بلد السيد، وذلك ضرر على المالك بالتأخير بعد المدة المضروبة إلى مدة يصل فيها كتاب حاكم بلد المكاتب، قال: وهذا موضع مهم يتفق الأصحاب المذكورون على أمر مخالف لنص الشافعي، ومؤدٍ إلى ضرر السيد.
قلت: الضرر والتطويل إنما هو إذا كان المعجز له حاكم بلد المكاتب؛ فإن السيد يحتاج بعد مضي مدة وصوله إلى الكتابة له وإرسال وكيل لطلب الحكم منه بذلك، وثم لا يظهر له الحكم بذلك
¬__________
(¬1) في النسخ: (فله الفسخ)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم.
(¬2) الأم (8/ 76).
(¬3) الروضة (12/ 256).
(¬4) انظر "الأم" (8/ 76).

الصفحة 841