كتاب تحرير الفتاوى (اسم الجزء: 3)

ثامنها: هل المراد بالرضا أن يرضى في قلبه بذلك أم لا بد من التلفظ به؟ الأرجح: الثاني، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، قال: ويشهد له قول الشافعي: (لم يعتق حتى يقول: قد جعلت ما وجب لي قصاصًا) (¬1).
6528 - قول "الحاوي" [ص 708]: (والفاسد كهو) أي: كالصحيح، ودخول الكاف على الضمائر قليل (لا في الحط، والسفر، والإيصاء، والإبراء، والاعتياض والانفساخ بالفسخ وموته، وحجره، وجنونه، ورد القاضي والفطرة والزكاة، والرجوع إلى قيمته) (¬2) فيه أمور.
أحدها: قوله: (والإيصاء) أي: تصح الوصية برقبة المكاتب كتابة فاسدة دون الصحيحة، وحكى فيه "التنبيه" قولين فقال [ص 148]: (وإن وصى بالمكاتب وهو لا يعلم بفساد الكتابة .. ففيه قولان، أحدهما: يصح، والثاني: لا يصح) وقد عرفت أن الأصح: الصحة، وبه جزم "المنهاج" (¬3)، وقيد محل الخلاف بأن لا يعلم فسادها، فإن علم .. صحت الوصية قطعًا، ومنهم من أجرى فيه القولين، وقد عرفت ما في قول "الحاوي": (والاعتياض).
وقوله: (والانفساخ بالفسخ) يتناول كلًا من السيد والمكاتب، وقد عرفت ما في فسخ المكاتب في كلام الرافعي من الاضطراب، والضمير في قوله: (وموته، وحجره، وجنونه) يعود للسيد، وأما موت العبد .. فلا تبقي معه كتابة صحيحة ولا فاسدة، ولا تنفسخ بجنونه وإغمائه، وقد أفصح بذلك "المنهاج" فقال [ص 599]: (والأصح: بطلان الفاسدة بجنون السيد وإغمائه والحجر عليه) ومسألة الإغماء ليست في "المحرر"، وهي في "الروضة" وأصلها (¬4)، والمراد: حجر السفه، فلو حجر عليه بالفلس .. لم تبطل الفاسدة، ولكنه يباع في الدين، فإذا بيع .. بطلت.
وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن بطلانها بهذه الأمور خلاف نص "الأم" حيث قال: (وكذلك لو كاتبه كتابة فاسدة وهو صحيح ثم خبل السيد فتاداها منه مغلوبًا على عقله .. لم يعتق (¬5)، قال شيخنا: فلو كانت تبطل بذلك .. لم يحتج لهذا الكلام لبطلانها بالجنون قبل التأدي.
ثانيها: قد يفهم من قوله: (ورد القاضي) أن له فسخها من غير طلب السيد، وليس كذلك، وإنما معناه: أن للسيد إذا أراد فسخ الكتابة الفاسدة أن فسخها بنفسه وأن يرفع الأمر إلى القاضي ليفسخها.
ثالثها: ذكر أن الفاسدة تنفسخ بأحد أمور خمسة، وبقي عليه: إعتاق السيد له لا عن جهة
¬__________
(¬1) انظر "الأم" (8/ 71).
(¬2) الحاوي (ص 708).
(¬3) المنهاج (ص 599).
(¬4) فتح العزيز (13/ 485)، الروضة (12/ 236).
(¬5) الأم (8/ 49).

الصفحة 856