كتاب تحرير الفتاوى (اسم الجزء: 3)

وقيل: إن لم يكن أرش الجناية مقدراً .. لم يدخل قطعاً (¬1)، وصوابه: دخل قطعاً.
وقوله: (يدخل الأقل في الأكثر) لا يفهم منه حكم المساوي؛ بأن قطع يديه فزال عقله، والحكم فيه على هذا القول التداخل أيضًا كما نقله شيخنا الإمام البلقيني عن مقتضى نص "الأم"، وحكاه في "الكفاية" عن النص صريحاً، وقال شيخنا: الظاهر أنه وَهِمَ فيه، وقطع في "المهذب" في التساوي بإيجاب ديتين (¬2)، ورُدّ.
4770 - قول "المنهاج" [ص 486]: (ولو ادُّعي زواله؛ فإن لم ينتظم قوله وفعله في خلواته .. فله دية بلا يمين) فيه أمور:
أحدها: كيف يدعي وهو مجنون لا تصح دعواه؟ فينبغي أن يقرأ مبنيا لما لم يسم فاعله؛ أي: ادعى ذلك من له ولاية الدعوى، وهو الولي.
ثانيها: قال شيخنا الإمام البلقيني: لا بد من كون الجناية تحتمل زوال العقل بها، وإلا .. لم تسمع الدعوى، ويحمل على الاتفاق كحصول الموت بصفعة خفيفة (¬3).
ثالثها: نازع شيخنا الإمام البلقيني في هذا الحكم، وقال: لم يذكره الشافعي ولا متقدموا أصحابه، وإنما ذكره الإمام (¬4) والصواب: أنه لا بد من إقامة الولي البينة بجنونه.
قلت: وقد يقال: ذلك لا ينافي ما ذكره المصنف؛ لأنه ليس المراد: عدم انتظام قوله وفعله بمجرد الدعوى، بل لا بد من ثبوته عند القاضي ببينة أو بعلمه عند من يجوز الحكم بالعلم.
رابعها: محل عدم اليمين في المطبق كما هو فرض المسألة، فإن كان متقطعاً وادعى زمن الإفاقة .. حلف فيه، ويرد ذلك أيضًا على قول "الحاوي" [ص 560]: (ولا يُحلّف).
4771 - قولهم: (وفي السمع دية) (¬5) فيه أمران:
أحدهما: أن محله: ما إذا لم يتوقع عوده، فإن توقع إلى مدة قدّرها أهل الخبرة .. انتظرت، قال الإمام: بشرط ألاَّ يظن استغراقها العمر فأكثر (¬6)، قال في "التهذيب": فلو مات قبل تلك المدة .. فهو كما لو انتظرنا البصر لمدة فمات قبلها (¬7)، وسيأتي.
ثانيهما: لو قال أهل الخبرة: لطيفة السمع باقية ولكن ارتتق بالجناية داخل الأذن ارتتاقاً
¬__________
(¬1) فتح العزيز (10/ 388)، الروضة (9/ 290).
(¬2) المهذب (2/ 202).
(¬3) انظر "مغني المحتاج" (4/ 69).
(¬4) انظر "نهاية المطلب" (16/ 347).
(¬5) انظر "التنبيه" (ص 224)، و"الحاوي" (ص 559)، و"المنهاج" (ص 486).
(¬6) انظر "نهاية المطلب" (16/ 435).
(¬7) التهذيب (7/ 149).

الصفحة 86