كتاب التاريخ المعتبر في أنباء من غبر (اسم الجزء: 3)

وقضايا غيَّرت قلبَ المنصور عليه، فعزم على قتله، وبقي حائرًا بين الاستبداد وأمر الاستشارة، فاستشار في أمره مسلمَ بنَ قتيبة، فقال: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، فقال: حسبك يا ابن قتيبة، لقد أودعتها أذنًا واعية.
وكان أبو مسلم قد حج، فلما عاد، نزل إلى الحيرة التي عند الكوفة، فلم يزل المنصور يخدعه بالرسائل حتى أحضره إليه، ثم جلس المنصور، ودخل عليه أبو مسلم، فسلَّم، فرد عليه السلام، وأجلسه وحادثه، ثم عاتبه، وقال له: فعلتَ وفعلتَ.
ومن جملة ما عاتبه: ألست الكاتبَ إليَّ تبدأ بنفسك قبلي تخطب عمتي آسية.
وأخذ أبو مسلم يده بيده يعرُكها ويقبِّلها، ويعتذر إليه، فقال له المنصور، وهو آخر كلامه: قتلني الله إن لم أقتلك، ثم صفق بإحدى يديه على الأخرى، فخرج إليه جماعة رتبهم المنصور وراء السرير الذي خلفه، وخبطوه بسيوفهم وقتلوه، وكان قتله يوم الخميس لخمس بقين من شعبان، وقيل: للثلاثين، ولعله سنة سبع وثلاثين ومئة، وكان ذلك برومية، وهي: بلدة بالقرب من بغداد على دجلة من الجانب الغربي، ثم أنشد المنصور:
فَأَلْقَتَ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى ... كَمَا قَرَّ عَيْنًا بِالإِيَابِ المُسَافِرُ

الصفحة 34