كتاب نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب ت إحسان عباس (اسم الجزء: 3)

النسيم، ومر لنا يومٌ غض الدهر عنه جفنه، حتى حسبناه عنواناً لما وعد الله تعالى به في الجنة.
وشرب يوماً مع أبي جعفر ابن سعيد والكتندي الشاعر في جنة بزاوية غرناطة، وفيها صهريج ماء قد أحدق به شجر نارنج وليمون وغير ذلك من الأشجار، وعليه أنبوب ماء تتحرك به صورة جارية راقصة بسيوف وطيفور رخامٍ يصنع في أنبوبة الماء صورة خباء، فقالوا: نقتسم هذه الأوصاف الثلاثة، فقال أبو جعفر يصف الراقصة:
وراقصةٍ ليست تحرّك دون أن ... يحركها سيفٌ من الماء مصلت
يدور بها كرهاً فتنضى صوارماً ... عليه فلا تعيا ولا هو يبهت
إذا هي دارت سرعة خلت أنّها ... إلى كلّ وجه في الرياض تلفّت وقال ابن نزار في خباء الماء:
رأيت خباء الماء ترسل ماءها ... فنازعها هبّ الرياح رداءها
تطاوعه طوراً وتعصيه تارةً ... كراقصةٍ حلّت وضمّت قباءها
وقد قابلت خير الأنام فلم تزل ... لديه من العلياء تبدي حياءها
إذا أرسلت جوداً أمام يمينه ... أبى العدل إلاّ أن يردّ إباءها وقد قيل: إن هذه الأبيات صنعها بمحضر الأمير أبي عبد الله ابن مردنيش ملك شرق الأندلس، وإنه لما ألجأته الضرورة أن يرتجل في مثل ذلك شيئاً، وكانت هذه عنده معدة، فزعم أنه ارتجلها، قال أبو عمرو ابن سعيد: وهذا هو الصحيح، فإنه ما كانت عادته أن يخاطب عمي أبا جعفر بخير الأنام، فإن كل واحد منهما كفؤ الآخر.
وقال الكتندي:
وصهريجٍ تخال به لجيناً ... يذاب وقد يذهّبه الأصيل

الصفحة 497