كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية - ت الحلو (اسم الجزء: 3)

17 قال: ثم خرج من عنده، و ازداد محمد بن مقاتل مرضا على مرضه من كلامه.
و بلغ أهل الرّىّ 1 ما جرى بين حاتم و بين ابن مقاتل 1، فقالوا لحاتم: يا أبا عبد الرحمن، إن محمد بن عبيد الطّنافسىّ بقزوين، أكبر سنّا من هذا، و هو غريق فى الدنيا.
قال 2: فصار حاتم إليه متعمّدا، و دخل عليه، و عنده الخلق مجتمعون يحدّثهم، فقال له حاتم: رحمك الله، أنا رجل عجمىّ، جئتك لتعلّمنى مبتدأ دينى، و مفتاح صلاتى، كيف أتوضّأ للصّلاة؟
فقال: نعم و كرامة، يا غلام، إناء فيه ماء.
فجاءه بالإناء، وقعد محمد بن عبيد يتوضّأ ثلاثا، ثم قال له: هكذا فاصنع.
قال حاتم: مكانك، رحمك الله، حتى أتوضّأ بين يديك، ليكون آكد لما أريد.
فقام الطّنافسىّ، وقعد حاتم مكانه فتوضّأ، و غسل وجهه ثلاثا، حتى إذا بلغ الذّراع غسله أربعا.
فقال له الطّنافسىّ: يا هذا، أسرفت.
فقال له حاتم: فيماذا أسرفت؟
قال: غسلت ذراعك أربعا.
فقال له حاتم: سبحان اللّه تعالى، أنا أسرفت فى كفّ من الماء، و أنت فى جميع هذا الذى أراه كلّه لم تسرف!!
فعلم الطّنافسىّ أنّه قصد منه ذلك، و لم يرد أن يتعلّم منه شيئا، فدخل إلى البيت، و لم يخرج إلى الناس أربعين يوما.
و كتب تجّار الرّىّ إلى بغداد بما جرى بين حاتم و بين محمد بن مقاتل، و محمد بن عبيد الطّنافسىّ، ثم رحل حاتم إلى العراق، و دخل بغداد، و اجتمع بعلمائها كما تقدّم فى أوائل الترجمة.
ثم خرج إلى الحجاز، فلما صار 3 إلى المدينة الشّريفة، أحبّ أن ينظر علماءها، فقال لهم: يا قوم، أىّ مدينة هذه؟

1 - 1) فى س: «ما جرى بينه و بين حاتم»، و المثبت فى: ط، ن.
2) ساق الشعرانى هذه القصة أيضا باختصار فى طبقاته 1/ 81.
3) فى ن: «وصل»، و المثبت فى: س، ط.

الصفحة 17