كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)
تَصَرُّفِهِ وَإِنَّ عَلِمَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا وَفَاءَ مَعَهُ بِمَا تَبَرَّعَ بِهِ وَجَزَمَ بَعْضُ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ وَهُوَ أَنَّهُ قَبْلَ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ بِالْيَسِيرِ وَبَعْدَهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَالَ الْحَفِيدُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَئِمَّتِهِمْ وَأَمَّا تَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ مَالِكٍ بِغَيْرِ عِوَض إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَلْزَمُهُ وَمِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا جُمْهُورُ مِنْ قَالَ بِالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ فَقَالُوا هُوَ قَبْلَ الْحَجْرِ كَسَائِرِ النَّاسِ وَإِنَّمَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ لِهَذَا الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ الْأَفْعَالِ حَتَّى يَقَعَ الْحَجْرُ وَمَالِكٌ كَأَنَّهُ اعْتَمَدَ الْمَعْنَى نَفْسَهُ وَهُوَ إحَاطَةُ الدَّيْنِ بِمَالِهِ. اهـ. وَاحْتَرَزَ بِالْجُمْهُورِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ بِالْحَجْرِ وَوَجَّهَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَ عِنْدَهُمْ بِأَنَّ عِتْقَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ لَا يُرَدُّ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَمْ لَا بِأَنَّ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ لَا فِي عَيْنِ الْعَبْدِ وَلَوْ تَلِفَ الْعَبْدُ لَمْ يَبْطُلْ الدَّيْنُ فَوَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ الْعِتْقُ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ مَعَ نُفُوذِهِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْعِتْقَ كَالصَّدَقَةِ فِي الرَّدِّ بِشَرْطِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْحَاصِلُ أَنَّ تَبَرُّعَاتِهِ الَّتِي بَعْدَ الدَّيْنِ وَقَبْلَ الْحَجْرِ مَرْدُودَةٌ إذَا أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ مَا عَدَا الْعِتْقَ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إنْ قَامَ الْغُرَمَاءُ بِقُرْبِ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ فَانٍ قَامُوا بَعْدَ طُولِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَالْأَرْجَح الرَّدُّ. اهـ.
حَاصِلُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّة فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا يُحْجَرُ عَلَى الْمُفْلِسِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَإِنَّ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي الْحَجْرِ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِهِ لِأَجْلِ ضَرَرٍ خَاصٍّ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْحَاكِمُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ فَقَالَا إذَا طَلَبُوا الْحَجْرَ حَجَرَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْبَيْعِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ بَيْعِ مَالِهِ يَبِيعُهُ الْحَاكِمُ وَيَقْسِمُ الثَّمَنَ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ هَذَا حَاصِلُ مَا فِي مَذْهَبِهِمْ فِي ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ بِمَا شَاءَ مُطْلَقًا وَعَلَى قَوْلِ صَاحِبَيْهِ يَتَصَرَّفُ مَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ مَذْهَبُنَا وَإِذَا تَقَرَّرَ مَا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ فَكَيْفَ يَنْقُلُ الْمُغْنِي عَنْهُمْ الْقَوْلَ بِنُفُوذِ التَّبَرُّعِ قَبْلَ الْحَجْرِ قُلْت أَمَّا الْخِلَافُ الَّذِي لِأَصْحَابِهِمْ وَأَصْحَابِنَا فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ وَلَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ لِضَعْفِهِ مِنْ حَيْثُ مُخَالَفَتُهُ لِصَرِيحِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا يَقَعُ لِلنَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَثِيرًا أَنَّهُ فِي كُتُبِهِ لَا سِيَّمَا شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَحْكِي الِاتِّفَاقَ مَعَ تَصْرِيحِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ بِالْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِذَلِكَ الْخِلَافِ لِشُذُوذِهِ فَيَجْزِمُ بِالْحُكْمِ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ مَا مَرَّ عَنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ وَجَعَلَ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَهُوَ لَا يَقُولُ بِالْحَجْرِ كَمَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى صَاحِبِ الْمُغْنِي فِيمَا مَرَّ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْفِ الْخِلَافَ إلَّا بِاعْتِبَارِ عِلْمه دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ فَبِفَرْضِ ثُبُوتِهِ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِيهِ
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي فَتْح الْبَارِي أَنَّهُ فِيهِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى النُّفُوذِ قَبْلَ الْحَجْرِ فَقَدْ وَهِمَ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ هِيَ الَّتِي قَدَّمْتهَا وَهِيَ قَوْلُهُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا تُفِيدُ الْإِجْمَاعَ نَعَمْ تُفِيدُ أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ مَرَّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ جُمْهُورَ مَنْ قَالَ بِالْحَجْرِ قَالُوا هُوَ قَبْلَ الْحَجْرِ كَسَائِرِ النَّاس وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْمُغْنِي نَعَمْ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى النُّفُوذِ قَبْلَ الْحَجْر وَقَعَتْ فِي كَلَامِ غَيْرِ الْمُغْنِي وَهِيَ مَرْدُودَةٌ بِمَا قَرَّرْتُهُ مِنْ الْخِلَافِ الشَّهِيرِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ الْغَرِيبِ قَوْلُ ابْنِ الْمُنِيرِ الْمَالِكِي فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَنْ تَصَدَّقَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ فَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ. اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَقَوْلُهُ فَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ غَلَطٌ فَاحِشٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ السَّابِقُ مِنْ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ شَهِيرٌ مَحْكِيٌّ فِي النُّفُوذِ حَتَّى بَعْدَ الْحَجْرِ وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَهَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى لَا لِقَوْلِهِ رَدٌّ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ مَا مَرَّ مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ حَتَّى فِي مَذْهَبِهِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِعِبَارَةِ الْمُغْنِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ الْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُ الذَّخِيرَةِ لِلْقَرَافِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَمُحَقِّقِيهِمْ
الصفحة 10
378