كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)

كَوْنُ الْمُعْتِقِ مُوسِرًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُعَدَّ غَنِيًّا بَلْ إذَا كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَفِي بِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِك غَيْرَهُ وَيُصْرَفُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ كُلُّ مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ مَلَكَ قِيمَةَ الْبَاقِي لَكِنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ نَافِذٌ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ نَفَذَ انْتَهَتْ وَقَوْلُهَا بِقَدْرِهِ مُرَادُهَا مَا فِي أَصْلِهَا كَمَا عَلِمْت أَوْ أَكْثَرَ وَمِنْ ثَمَّ جَرَى صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَغَيْرُهُ حَتَّى أَصْحَابُ الْمُتُونِ كَالْحَاوِي وَفُرُوعِهِ عَلَى مَا فِي عِبَارَةِ الْعَزِيزِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَى الرَّوْضَةِ فِي ذَلِكَ لِمَا عُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِهَا الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بَعْضُ مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ مَدْيُونًا وَاسْتَغْرَقَتْ الْقِيمَةُ مَالَهُ. اهـ.
وَهَذَا يَشْمَل مَا إذَا سَاوَتْ الْقِيمَةُ مَالَهُ وَمَا إذَا زَادَتْ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت مِنْ أَيْنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّصَرُّفِ فِي عِبَارَتِهَا مَا يَشْمَلُ التَّبَرُّعَ قُلْت هَذَا جَلِيٌّ لَا يَحْتَاجُ لِلسُّؤَالِ عَنْهُ لِأَنَّهُ سَبَقَ تَعْلِيلًا لِنُفُوذِ تَبَرُّعِهِ بِالْعِتْقِ مَعَ اسْتِغْرَاقِ دَيْنِهِ فَلَوْلَا أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالتَّصَرُّفِ مَا يَشْمَلُ التَّبَرُّعَ لَمْ تَتَطَابَقْ الْعِلَّةُ وَالْمُعَلَّلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي الْمُدَّعِي لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ.

الْعِبَارَةُ السَّادِسَةُ عِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ فِي ذَلِكَ وَهِيَ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ أَوْ لَا ثُمَّ قَالَ لَوْ كَانَ مُعْتِقُ الْحِصَّةِ يَمْلِكُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ لَكِنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ فَيُضَارِبُ الشَّرِيكُ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ حَصَلَ لَهُ قِيمَةُ نَصِيبِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا اقْتَصَرَ عَلَى حِصَّتِهِ وَيَعْتِقُ جَمِيعُ الْعَبْدِ إنْ قُلْنَا بِحُصُولِ السِّرَايَةِ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ.
فَتَأَمَّلْ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَمَنْ بَعْدهمَا وَمَنْ قَبْلَهُمَا هُنَا لَا سِيَّمَا قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ نَافِذٌ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى إلَخْ تَعْلَمْ مَا وَقَعَ فِيهِ أُولَئِكَ الْمُخَالِفُونَ مِنْ خُرُوجِهِمْ عَنْ صَحِيحِ الْمَذْهَبِ إلَى قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ ضَعِيفِ جِدًّا وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمُقَلَّدٍ سُلُوكُهُ لَكِنْ لَعَلَّ عُذْرَ أُولَئِكَ أَنَّ نُسَخَ الْأُمِّ قَلِيلَةٌ فِي بِلَادِهِمْ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ لَكِنَّهَا فِي غَيْرِ مَظِنَّتِهَا فَغَفَلُوا عَنْهَا فَإِذَا بَانَتْ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِمْ الرُّجُوعُ لِلْحَقِّ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِهِمْ دُونَ التَّمَادِي بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ الْفَظِيعَةِ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ مِنْ تَصْمِيمٍ عَلَى مَا لَا يُرْضَى وَيَسَّرَ لَنَا سُلُوكَ سَبِيلِ الْحَقِّ أَيْنَمَا كَانَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.
فَإِنْ قُلْت لَا حُجَّة فِيمَا ذَكَرْت عَنْ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ قَهْرِيَّةٌ عَلَيْهِ مِنْ الشَّارِعِ وَكَلَامُنَا لَيْسَ إلَّا فِيمَا يُفْعَلُ بِالِاخْتِيَارِ قُلْت هَذَا إنَّمَا يُتَوَهَّمُ بِالنِّسْبَةِ لِعِتْقِ نَصِيبِ الشَّرِيك أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِعِتْقِ نَصِيبِهِ هُوَ فَالْحُجَّةُ فِيهِ وَاضِحَةٌ لِنُفُوذِهِ مَعَ الدَّيْن الْمُسْتَغْرِقِ وَكَذَا هِيَ وَاضِحَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِنَصِيبِ الشَّرِيكِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا مِمَّا فُعِلَ بِالِاخْتِيَارِ وَمِنْ ثَمَّ عَدُّوهُ إتْلَافًا وَتَفْوِيتًا وَمَنَعُوا السِّرَايَةَ فِيمَا لَوْ مَلَكَ بَعْضَ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ بِإِرْثٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ حِينَئِذٍ صَنِيعٌ وَلَا تَفْوِيت بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ بِاخْتِيَارِهِ لَا سِيَّمَا إنْ عَلِمَ بِأَنَّ الْعِتْقَ يَنْفُذُ عَلَيْهِ وَيُصْرَفُ إلَيْهِ مَا فِي يَدِهِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ دَيْنُهُ وَمِنْ ثَمَّ جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى بِمَا فِي يَده الَّذِي اسْتَغْرَقَهُ دَيْنُهُ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ ثَانِيهِمَا أَنَّ تَعْلِيلَهُمَا السَّابِقَ وَقَوْلَهُمَا وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى إلَخْ صَرِيحَانِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَيُفْرَضُ مَا ذُكِرَ فِي السِّرَايَة وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهَا الْحُجَّةَ الصَّرِيحَةَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ تَأْوِيلًا فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ مُهِمٌّ فَإِنَّ قُلْت سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ فَرْعٌ يُشْكِلُ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ أُولَئِكَ الْمُخَالِفُونَ وَهُوَ وَلَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ وَلَا يُعْتَق بَلْ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ. اهـ.
فَمَنَعَ الدَّيْنَ لِعِتْقِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ أَنَّهُ قَهْرِيٌّ عَلَيْهِ كَالسِّرَايَةِ مُشْكِلٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِيهَا وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْمَدِينِ قُلْت هَذَا تَحْرِيفٌ أَوْ إجْمَالٌ يَحْتَاجُ لِتَقْيِيدٍ بِإِرْجَاعِ ضَمِيرِ اشْتَرَى إلَى الْمَرِيضِ وَحَمْلِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُسْتَغْرِقِ لِأَنَّ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ نِزَاعًا أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ عَتَقَ قَهْرًا عَلَيْهِ عَقِبَ الْمِلْكِ مَا لَمْ يَكُنْ

الصفحة 12