كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)
الْمَرْدُودُ مِنْهُ بَحْثُ مَنْعِ الْحَجْرِ فِي الْمَرْهُونِ بِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ لَهُ فَوَائِدَ كَالْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَفِيمَا عَسَاهُ يَحْدُثُ بِنَحْوِ اصْطِيَادٍ وَهَذَا الْبَحْثُ وَإِنْ سَلِمَ رَدُّهُ بِمَا ذُكِرَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا كَوْنُهُ مَرْدُودًا.
الْعِبَارَةُ التَّاسِعَةُ مَا فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ.
وَصُورَتُهُ رَجُلٌ وَقَفَ أَرْضَهُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ الْجَوَابُ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي صِحَّتِهِ فَالْوَقْفُ صَحِيحٌ فَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا هُوَ الْمَنْقُولُ السَّابِقُ أَنَّ تَبَرُّعَ الْمَدِينِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ لِدَيْنِهِ وَفَاءً.
الْعِبَارَةُ الْعَاشِرَةُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ الَّذِي لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْآدَمِيِّ وَإِنْ حَلَّ وَاسْتَغْرَقَ مَالَهُ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ.
وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ مَالَهُ لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ لِجِهَةِ الدَّيْنِ ثُمَّ فَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ نَذْرَ التَّصَدُّقِ بِعَيْنِ النِّصَابِ النَّقْدِ أَوْ الْحَيَوَانِ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ قَالَ جَعَلْته صَدَقَةً أَوْ هَدْيًا أَوْ ضَحِيَّةً فَتَمَّ الْحَوْلُ قَبْلَ صَرْفِهِ لِجِهَةِ النَّذْرِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِالنَّذْرِ أَوْ الْجَعْلِ هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَنَقَلَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاعْتِرَاضُ الْبُلْقِينِيُّ لَهُ أَشَارَ الْجَلَالُ إلَى رَدِّهِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ إنَّ مَالَهُ لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى جِهَةِ الدَّيْنِ أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَبِ الْمُوجِبِ لِلْأَدَاءِ فَوْرًا لِأَنَّ لَهُ الْأَدَاءَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى بِاقْتِرَاضٍ أَوْ نَحْوِهِ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ مَا دَامَ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ فَالْمَالُ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ لَا بِشَيْءٍ مِنْ أَعْيَان مَالِهِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ فَأَيُّ مُبْطِلٍ لِتَبَرُّعِهِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا مَا فَرَّعُوهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ صِحَّةِ النَّذْرِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ مِنْ الْمَدِينِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الدَّيْنَ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا لَهُ وَزَائِدٌ عَلَيْهِ تَجِدْهُ صَرِيحًا ظَاهِرًا لَا يَقْبَلُ تَأْوِيلًا فِي صِحَّةِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَحِينَئِذٍ يَزْدَادُ تَعَجُّبُك مِنْ الْمُخَالِفِينَ لِذَلِكَ مَعَ وُضُوحِ صَرَائِحِ الْمَذْهَبِ فِيهِ.
وَلَقَدْ رَأَيْت لِكَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ حَضْرَمَوْت فِي بَيْعِ الْعُهْدَةِ مَا يُشَابِهُ مَا وَقَعَ فِيهِ أُولَئِكَ بَلْ هُوَ أَقْبَحُ بِكَثِيرٍ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمَذْهَبِ الْمُخَالَفَةَ الصَّرِيحَةَ بِإِبْدَاءِ آرَاءَ يَجْزِمُونَ بِهَا مَعَ خُرُوجِهَا عَنْ الْمَذْهَبِ وَقَوَاعِدِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ عُذْرًا فِي ذَلِكَ بَلْ أَقُولُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ الْمُقَرَّرِ الْمُعْتَرِفِينَ بِهِ وَالْمُذْعِنِينَ لَهُ أَنَّهُمْ شَافِعِيَّةٌ وَمُفْتُونَ وَمُؤَلِّفُونَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَيْسُوا مُجْتَهِدِينَ قَطْعًا بِأَيِّ مَرْتَبَةٍ فَرَضْتَهَا مِنْ مَرَاتِبِ الِاجْتِهَادِ فَمَعَ ذَلِكَ كَيْفَ يَجُوزُ لَهُمْ فِي إفْتَاءٍ أَوْ تَأْلِيفٍ أَنْ يَذْكُرُوا آرَاءً لَا يُمْكِنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بِوَجْهٍ بَلْ مُجْتَهِدُو الْمَذْهَبِ أَصْحَابُ الْوُجُوهِ وَغَيْرُهُمْ لَمْ يُبْدُوا شَيْئًا مِنْ وُجُوهِهِمْ وَآرَائِهِمْ إلَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَوْ قَاعِدَتِهِ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ.
وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ كَمُفْرَدَاتِ الْمُزَنِيِّ وَآرَاءِ أَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ لَا تُعَدُّ آرَاؤُهُ وُجُوهًا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا مِنْهُ بَلْ هُوَ كَبَقِيَّةِ آرَاءِ الْمُخَالِفِينَ لِلْمَذْهَبِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أُولَئِكَ الْحَضَارِمَةِ أَنَّهُمْ جَرَوْا فِي ذَلِكَ عَلَى آرَاءَ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُمْ إذَا سَلَكُوا ذَلِكَ كَانَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبَيِّنُوا تِلْكَ الْآرَاءَ بِنِسْبَتِهَا إلَى قَائِلِهَا أَوْ بِكَوْنِهِمْ أَخَذُوهَا مِنْ قِيَاسِ قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ أَوْ قَوَاعِدِهِمْ وَأَمَّا إطْلَاقُهَا عَرِيَّةً عَنْ ذَلِكَ فَفِيهِ إيهَامٌ بَلْ صَرِيحٌ أَنَّهَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ ثَمَّ رَأَيْت أَكْثَرَ مُشْتَغِلِي الْحَضَارِمَةِ يُتَوَهَّمُونَ ذَلِكَ فَاتَّضَحَتْ حُرْمَةُ هَذَا الْفِعْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالتَّجَاسُرِ عَلَى مَرَاتِبِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ لِطَاعَتِهِ أَجْمَعِينَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.
(تَنْبِيهٌ) اخْتَلَفُوا فِي الْمَدِينِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا فِي يَدِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَعَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ يُسِنُّ لَهُ إخْرَاجُهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْعِبْرَةُ فِي الْفَضْلِ عَمَّا ذَكَرَهُ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ فَوُجُودُهُ بَعْدَهُ لَا يُوجِبُهَا اتِّفَاقًا لَكِنْ يُنْدَبُ إخْرَاجُهَا. اهـ.
فَإِذَا نُدِبَ إخْرَاجُهَا هُنَا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا فَأَوْلَى أَنْ يُنْدَبَ فِي مَسْأَلَتِنَا لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي الْوُجُوبِ وَبِفَرْضِ تَسْلِيمِ عَدَمِ النَّدْبِ.
فَجَوَازُ الْإِخْرَاجِ لَا نِزَاعَ فِيهِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ نَدَبَ إخْرَاجَهَا أَوْ جَوَازَهُ فَفِي ذَلِكَ الْحُجَّةُ لِجَوَازِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا حَيْثُ لَمْ يَجِبْ يَكُونُ تَبَرُّعًا وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِالنَّدْبِ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَيْضًا فِي خَبَرِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ فَأَطْعَمَهُ قُوتَهُ وَقُوتَ صِبْيَانِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَدَقَةٍ بَلْ ضِيَافَةٌ وَهِيَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْفَضْلُ
الصفحة 14
378