كتاب الفتاوى الفقهية الكبرى (اسم الجزء: 3)

عَنْ عِيَالِهِ وَنَفْسِهِ لِتَأَكُّدِهَا وَكَثْرَةِ الْحَثِّ عَلَيْهَا حَتَّى إنَّ جَمْعًا أَوْجَبُوهَا. اهـ.
فَكَذَا الْإِخْرَاجُ هُنَا مُتَأَكِّدٌ لِلْخِلَافِ الشَّهِيرِ فِي وُجُوبِهِ فَلَيْسَ لِلْمَدِينِ وَيُؤَيِّدُ جَوَازَ الْإِخْرَاجِ مَا بُحِثَ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ مِنْ دَيْنٍ لَا يَرْجُو وَفَاءً رِعَايَةً لِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ إنَّهَا تَجِبُ حَتَّى عَلَى الْمُعْسِرِ كَمَا أَنَّ الضِّيَافَةَ لَا تَحْرُمُ عَلَى الْمَدِينِ. اهـ.
وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إنَّمَا تُسَنُّ لِلْقَادِرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ فِي يَدِهِ مَا يَفِي بِهَا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ مُسْتَغْرِقَةٌ لَهُ وَعَلَيْهِ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا وَالضِّيَافَة وَالْأُضْحِيَّةَ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا وَلَوْ مِنْ مَدِينٍ لَا يَرْجُو وَفَاءً فَيُفِيدُ ذَلِكَ صِحَّةَ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ وَلَا يُنَافِي الْجَوَازَ هُنَا الْحُرْمَةُ فِي الصَّدَقَةِ لِأَنَّهُ لَا دَاعِي لَهَا وَلَا عُذْرَ فِي إخْرَاجِهَا بِخِلَافِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا وَالْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ سُنَّةٌ بِشَرْطِهِ فَإِنْ قُلْت مَا ذَكَرْته عَنْ الْمَجْمُوعِ فِي الضِّيَافَةِ خَالَفَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
وَانْتَصَرْت لَهُ فِي كِتَابِك الْمُسَمَّى بِإِتْحَافِ ذَوِي الْمُرُوءَةِ وَالْأَنَاقَةِ بِمَا جَاءَ فِي الصَّدَقَةِ وَالضِّيَافَةِ قُلْت مَا فِي الْمَجْمُوعِ جَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ فَصَحَّ الِاسْتِشْهَادِ بِهِ لِمَا مَرَّ.

الْعِبَارَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَوْلُهُمْ فِي التَّيَمُّم لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ يَلْزَمْهُ صَرْفُ شَيْءٍ مِمَّا بِيَدِهِ إلَى مَاءِ طَهَارَتِهِ فَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنَّهُ لَوْ صَرَفَهُ إلَى الْمَاءِ جَازَ أَيْ صَحَّ لِأَنَّ حُرْمَةَ ذَلِكَ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الصَّدَقَةِ وَهُوَ مُرَادُ الْإِسْنَوِيِّ بِقَوْلِهِ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي بَعْض الصُّورِ وَإِذَا تَقَرَّرَتْ صِحَّةُ صَرْفِهِ فِي ذَلِكَ كَانَ صَرِيحًا فِي صِحَّةِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ دَيْنَهُ مُسْتَغْرِقٌ وَأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِشِرَاءِ الْمَاءِ وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ فَلْتَصِحَّ سَائِرُ تَبَرُّعَاتِهِ.

الْعِبَارَةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ فِي التَّفْلِيسِ اعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّف مُفْتَقِرٌ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ قَطْعًا انْتَهَتْ وَهِيَ صَرِيحَةٌ لَا تَقْبَلُ تَأْوِيلًا فِي صِحَّة تَبَرُّعِ الْمَدِينِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَأَنَّهُ لَا يُمْنَعُهُ مِنْهُ إلَّا الْحَجْرُ الْحِسِّيُّ أَوْ الشَّرْعِيُّ.
وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ قَالَ لَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ لِخُرُوجِهِ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ فَأَيُّ تَنْصِيصٍ عَلَى خِلَافِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَتُهَا الْمُوَافِقُ لِعِبَارَتِهَا أَيْضًا فِي الْعِتْقِ فَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ مَا اقْتَضَاهُ تَخْرِيجُ ابْنِ الرِّفْعَةِ كَانَ ذَلِكَ أَعْجَبَ إذْ كَيْفَ تُتْرَكُ صَرَائِحَ النُّقُولِ لِتَخْرِيجٍ مُتَأَخِّرٍ بِمُحْتَمَلٍ بَلْ مَرْدُودٍ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ مُوَضَّحًا.

الْعِبَارَةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ قَوْلُ جَمْعٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحِيَلِ إنَّهَا إذَا أَسْقَطَتْ حَقَّ الْغَيْرِ بَعْدَ وُجُوبِهِ حُرِّمَتْ فَهَذَا مِنْهُمْ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا مَعَ حُرْمَتِهَا وَإِبْطَالِهَا لِحَقِّ الْغَيْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ الْمُتَصَرَّفِ فِيهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الشُّفْعَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا يَصِحُّ الْعَقْدُ الْمُشْتَمِلَةُ تِلْكَ الْحِيلَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ فَوَّتَ ذَلِكَ الْحَقَّ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ.
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُرْمَةَ تَفْوِيت ذَلِكَ الْحَقِّ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُفَوِّتِ لَهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ فَأَوْلَى تَبَرُّعُ الْمَدِينِ قَبْلَ الْحَجْرِ لِأَنَّ الْحَقَّ حِينَئِذٍ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَبِفَرْضِ صِحَّةِ تَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ بَلْ إنَّمَا يُبْطِلُهُ التَّعَلُّقُ بِهَا مِنْ حَيْثُ ذَاتِهَا أَوْ الْأَمْرِ اللَّازِمِ لَهَا فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ اضْطَرَّنَا إلَيْهِ مَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْحِيَلِ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ رَدُّ مَا لِلْبَنْدَنِيجِيِّ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ

الْعِبَارَةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ قَوْلُ الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ الْهِبَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْ فِي الْوَاهِبِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. اهـ.
وَهَذَا صَرِيحٌ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ فَإِنَّهُ مَتَى انْتَفَى الْحَجْرُ وُجِدَتْ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ فَفِيهِ أَبْلَغُ رَدٍّ عَلَى الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ وَإِنْ انْتَفَى الْحَجْرُ فَلَا تَصِحُّ تَبَرُّعَاتِهِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ التَّبَرُّعُ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ تَبَرُّعٍ فَوَّتَ حَقَّ الدَّائِنِ يَكُونُ حَرَامًا قُلْت هَذَا غَفْلَة عَمَّا مَرَّ مَبْسُوطًا أَنَّ مَلْحَظ الْحُرْمَةِ غَيْرُ مَلْحَظِ الصِّحَّةِ إذْ مَدَارُ الْحُرْمَةِ عَلَى إلْحَاق الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ وَمَنْ تَبَرَّعَ بِمَا يُفَوِّتُ قَضَاءَ دَيْنِهِ بِأَنْ لَمْ يَرْجُ وَفَاءً بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فَقَدْ أَضَرَّ بِالدَّائِنِ فَأَثِمَ لِذَلِكَ وَمَدَارُ الصِّحَّةِ عَلَى عَدَمِ تَعَلُّقِ حَقٍّ بِالْعَيْنِ وَمَتَى لَمْ يُحْجَرْ عَلَى الْمَدِينِ فَالدَّيْنُ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ لَا غَيْرُ فَلَمْ يَكُنْ لِإِبْطَالِ تَصَرُّفِهِ وَجْهٌ وَإِنْ حَرُمَ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ لَا لِمَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَصْلًا كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيَقْطَعُ النِّزَاعَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَدَاءُ الدَّيْنِ بِالطَّلَبِ وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ حِينَئِذٍ.
وَمَعَ ذَلِكَ

الصفحة 15